والجدير بالذكر أن إسرائيل وقعت عليها في بادئ الأمر ثم سحبت توقيعها مع الولايات المتحدة الأميركية خوفاً من أن تطول يد العدالة الدولية جنودها وقادتها العسكريين علماً أن إسرائيل والولايات المتحدة عارضتا بشدة تضمين النظام الأساسي للمحكمة جريمتي إبعاد السكان والاستيطان التي حرصت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على ممارستها حتى يومنا هذا إلا أن تلك المعارضة جوبهت بموقف عربي موحد انتهى بالموافقة على تضمينها بقانون المحكمة هذا.
وقد أحجمت معظم الدول العربية عن الانضمام إليها لوجود تحفظات عليها أو تخوف من تسييسها ضد المصالح العربية وهذا ما حصل فعلاً إذ إن هذه المحكمة تجاهلت جرائم إسرائيل كلها بحق الشعب الفلسطيني وأصدرت مؤخراً مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير بزعم ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
جدير بالذكر أن مجلس الأمن هو الذي أحال ملف قضية دارفور وما جرى فيها من انتهاكات مزعومة وملفقة إلى محكمة الجنايات بعد اعتماد القرار /1593/ في مطلع العام 2005 في ضوء أن السودان ليس عضواً في المحكمة ولم يوقع على ميثاقها منذ التأسيس.
ويشهد مجلس الأمن حالياً انقساماً حاداً تجاه هذه المشكلة الشائكة فالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ومعها خمس دول أخرى أعضاء في مجلس الأمن وهي /كرواتيا والنمسا وكوستاريكا واليابان والمكسيك/ أي ما مجموعه ثماني دول من بين أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر تؤكد رفضها القاطع للتجاوب مع مطالبة الدول العربية والإفريقية لمجلس الأمن باستخدام المادة /16/ من ميثاق محكمة الجنايات الدولية التي تسمح للمجلس بتأجيل قرارات المحكمة لمدة عام في حال الضرورة.
أما الدول المؤيدة لاستخدام المادة السادسة عشرة فهي: الصين وروسيا وليبيا وبوركينافاسو وأوغندا وفيتنام وتركيا /سبع دول/ وهي تنتظر وصول وفد من الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي لمحاولة إقناع أعضاء مجلس الأمن بتأجيل قرار المحكمة بتوقيف الرئيس عمر البشير وذلك بما يساعد على استمرار مسار السلام في دارفور والجهود التي تبذلها حالياً دولة قطر والمبعوث المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وهناك مشكلة الآن وهي أن أيا من الكتلتين في مجلس الأمن لا تمتلك الأغلبية الكافية داخل المجلس سواء لإصدار قرار أو بيان يرحب بقرار المحكمة ويدعو البشير إلى تسليم نفسه كما تريد الولايات المتحدة والدول الغربية المؤيدة لها أو لإصدار قرار باستخدام المادة السادسة عشرة كما تريد الدول العربية والإفريقية بدعم من روسيا والصين ودول أخرى تؤيد هذا التوجه كما أشرنا إلى ذلك قبل قليل، ذلك أن أي قرار يصدر عن مجلس الأمن يتطلب تسعة أصوات على الأقل وبشرط ألا تستخدم أي من الدول الخمس الدائمة العضوية حق النقض «الفيتو» أما إصدار بيان رئاسي أو صحفي فيجب أن يحوز إجماع كافة أعضاء مجلس الأمن وهو أمر من الصعب تحقيقه في ضوء الظروف الحالية. هنا إذا تكمن المشكلة؟.
هذا وقد أكدت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن «سوزان رايس» والمعروفة باهتمامها بقضية دارفور قبل توليها هذا المنصب أنها حسب قولها «لا ترى مبرراً في الوقت الحالي لاستخدام المادة السادسة عشرة وأنها تدعم إجراءات المحكمة الجنائية الهادفة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم البشعة التي شهدتها دارفور» بينما تركت كل من فرنسا وبريطانيا الباب شبه مفتوح لاتخاذ مثل هذا الإجرء فيما لو قدمت حكومة السودان تنازلات محددة مثل تسليم مواطنين سودانيين سبق للمحكمة هذه أن اتهمتهما بارتكاب جرائم حرب في دارفور وهما الوزير الحالي أحمد هارون و علي كشيب الذي يصفه أوكامبو بأنه أحد قادة ميليشيات الجنجويد الموالية للحكومة كذلك ذهب في هذا الاتجاه مندوب النمسا إذ طالب السودان بإجراءات تساعد على المطالبة بتبني المادة السادسة عشرة ويعني بذلك تسليم المطلوبين المذكورين للمحكمة وتسهيل التوصل إلى اتفاق سلام مع المتمردين وتسهيل نشر قوة مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في أسرع وقت ممكن في دارفور.
ومن الواضح أن قرار المحكمة هذا حول توقيف الرئيس عمر البشير هو قرار مسيس الهدف منه ضعضعة الأوضاع في السودان وممارسة الضغوط على الحكومة في الخرطوم لتقديم تنازلات على حساب سيادة ومصلحة بلدها وهو قرار وصفه الكثيرون بأنه لا يهدف إلى تطبيق العدالة في العالم وهذا ما جاء على لسان رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ميغيل ديسكوتو عندما قال: «لنحصل على السلام الذي نتطلع إليه فمن الضروري أن نبدأ باتهام الدول القوية لا الدول الصغيرة كل فرد يعلم عمن أتحدث أكبر الأعمال الوحشية اليوم هي ما يرتكب في العراق..».
لا شك في أن هذا القرار تعسفي وعدواني يمهد لضرب وحدة السودان وتقسيمه ويعكس أبشع صور الازدواجية في التعامل مع الدول لماذا لم تصدر هذه المحكمة قرارات بتوقيف من ارتكبوا جرائم في أماكن أخرى وخاصة في الحرب الأخيرة على قطاع غزة؟!.
نعم إن هذا القرار يشكل سابقة خطيرة تتجاهل حصانة رؤساء الدول التي ضمنتها اتفاقية فيينا لعام 1961 ومن شأنه أن يخلق تداعيات سلبية كبيرة تنعكس على استقرار الوضع في السودان وعلى مسيرة التسوية السياسية لأزمة دارفور، علماً أن هذه الأزمة مصطنعة بالأساس وهي بالأصل أزمة داخلية أو خلاف على الأراضي والمراعي إلا أن الأبواق الأميركية والغربية نفخت فيها وكبرتها واتخذت منها ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للسودان الشقيقة.
وهكذا يتضح أن ما هو مبيت للسودان خطير جداً ويتطلب من العرب أن يقفوا إلى جانبه وقفة فعالة وجادة ضد هذه المؤامرة التي تستهدف وحدة وأرض شعب السودان وتستهدف العرب جميعاً.