الأول أن أميركا أوباما لم يعد بإمكانها أن تتصرف بالقرار الدولي كما كان عليه الأمر في عهد بوش باعتبار أن معادلة إخفاق هذا الأخير وهزيمة أميركا على يده تلزم الإدارة الأميركية الجديدة بتجديد السياسة وتخفيف صورة الكراهية العالمية لأميركا ودمجها في القرار العالمي شريكاً وليس مهيمناً على نهج ما كان والعودة إلى احترام إرادة حلفائها ورؤيتهم في المنظومة العالمية للدبلوماسية التي يتبعونها ولا سيما على ضوء ما حصل في المنطقة العربية من تطورات جديدة فرضتها حروب أميركا في العالم والمنطقة العربية ومن ثم دعمها لحروب إسرائيل على المقاومة العربية وفشلها في هذه الحروب ثانياً.
ومن المعروف أن أميركا كانت تستعجل الحرب وتسميها استباقية وتستعجل خلق الفوضى الخالقة لها ما تستهدفه في المشهدين الدولي والإقليمي لأنها مدركة أن الزمن العالمي لا يسير بمصلحتها وتنامي القوى الإقليمية في البلدان التي تحتلها لن يمنحها الاطمئنان على مشاريعها وخاصة أن إسرائيل في المنطقة العربية ظهر عجزها الواضح في تحديد اتجاهات أو تعزيزها حتى تضبط الإيقاع الإقليمي كجيب وظيفي حام للمصالح الأميركية.
وبناء عليه فالتحولات الدولية خرجت عن السنة الأميركية فيها والتحولات الإقليمية تفرضها على الأرض المقاومة التي تشكل سورية قلعتها وحصنها المنيع وخندقها الصامد. وحين نقرأ هذه الرغبة التي أبداها مسؤولون وبرلمانيون من أميركا وأوروبا في زيارة سورية والتعرف على وجهة نظرها فيما حدث في المنطقة ويحدث والعودة إلى بلادهم مقتنعين بصوابية الرؤية والمنهج السياسي ومتعرفين على أسلوب إسرائيل بأنه لم يعد يتساير مع الوقائع الجديدة على الأرض أو في ذهن الإنسان العربي الذي أصبح متقناً في اتباع أهم سبل النضال الوطني المشروع من أجل تحرير أرضه وأصبحت لديه الإرادة الاستشهادية أقوى من أن تهزم باعتبارها الشكل النوعي الحاسم في الصمود في أي حرب عدوانية لإسرائيل وتحقيق النصر عليها.
ومن التحولات الهامة على أثر ما كان قد زار المنطقة من وفود وأجرت حواراتها مع سورية والمقاومة منذ بداية هذا العام حتى اليوم نشهد اليوم الوفد البرلماني الأوروبي في إصراره على زيارة حماس واللقاء بقادتها في دمشق ونقف على رغبة بريطانيا بفتح الحوار مع حزب الله في لبنان ونصغي إلى دعوة أوروبا لأميركا بأن تعترف بأهمية الحوار مع حزب الله وحماس إن كانت تبحث حقيقة عن حل عادل ويرضي الأطراف المعنية في المنطقة.
هذا المتحول الدولي يكتسب أهمية من خصوصية القرار الأوروبي الذي صار يركب وفق مصالح أوروبا وقرارها المستقل وينبئ عن أن أميركا واللوبي الصهيوني لم يعودا كما كان الحال عليه يتصرفان بالقرار الأوروبي بنهج استتباع كامل ومن ثم أسلوب إسرائيل النازي ومحرقتها في غزة انعكس عليها رفضاً دولياً وكراهية لا تتمكن معها من تحسين صورتها وخاصة حين سيقود نتنياهو الوزارة الصهيونية القادمة.
لقد دأبت سورية -منذ زمان القائد الخالد- على التمسك بحقائق الصراع مع العدو الصهيوني وفي رأسها البحث عن الحل في القوة العربية في مواجهة العدو والقوة ليس ما يتصل بالجانب العسكري وحسب بل القوة في تجمع العرب وقرارهم الموحد ومقاومتهم السياسية والاقتصادية والثقافية لهذا العدو وحين بدأ بعض العرب في إظهار اعتقادات أخرى في أشكال حسم الصراع مع العدو لمصلحتنا كعرب خرج النضال العربي عن خطوطه الصحيحة وإستفادت إسرائيل من تأجيل استحضار القوة اللازمة في وجهها التي تجعلها تصغي مكرهة للإرادة العربية.
وها هي سورية اليوم بتبنّي المقاومة وخوض المعارك معها وتحقيق الدعم العربي والإسلامي لها تنقل المعركة إلى أرض العدو وتضع أميركا وإسرائيل بآن معاً في المربع الحرج دولياً بما يلزمهما بالإصغاء للرأي العام الدولي وتنفيذ إرادة المجتمع الدولي والتيقن بأن المماطلة والغطرسة العسكرية لن يقدما أي حل بما يعني إخضاع العرب المقاومين بالقوة وها هي أوروبا تتحرك بمعزل عن رغبة أميركا وإسرائيل بل تدعوهما إلى الاعتراف بالمكونات التي أصبحت تفرض وجودها على أرض كل معركة تشن ضدها ولذا فمن عبث السياسة دوام تجاهلها وتجاهل مفاتيح الحلول التي تمتلكها ولا سيما حين تكون سورية دوماً معها.
واللعبة الدولية التي اختارت زمانها أميركا وكذلك إسرائيل في إصدار قرار محكمة الجنايات الدولية ضد الرئيس السوداني البشير مكشوفة الهدف الذي يحاول استدارة وجه العالم عن المجرمين الحقيقيين في أفغانستان والعراق وأرض فلسطين وما كان من مجازر قانا لمرتين والعالم يدرك أن الضجة حول البشير إنما هي لصرف الأنظار عن المجرمين الحقيقيين لكن الذي يهمنا هو عدم القدرة الواضح لدى أميركا وإسرائيل في تحديد أي منهج في السياسة بعد اليوم ولا سيما في السياسة العربية خصوصاً بعد المصالحة التي حدثت في السعودية وبعد الانتصار السياسي لسورية بعودة الجميع من العرب إلى المنهج السياسي الموحد في النظر إلى القضايا العربية وخصوصاً فيما يتعلق بقضية فلسطين وإرجاعها إلى القضية المركزية ومعها الأراضي العربية المحتلة من سورية ولبنان.
وعلى هذا الأساس يواصل السيد الرئيس استقبالاته في سورية للمسؤولين العرب والدوليين للحوار في شؤون المنطقة والعالم والوصول إلى موقف مشترك من حقائق ما يحدث، وبهذه اللقاءات يصعد السيد الرئيس من نجاحات سورية في قيادة العرب بين مؤتمرين ونذكر أنفسنا والأيام القليلة القادمة ستصل بنا إلى انعقاد قمة الدوحة بأن الذين سعوا لتأجيل قمة دمشق العشرين في آذار 2008 كانوا مقتنعين بأنه إذا عقدت قمة دمشق وترأس الرئيس بشار الأسد العرب خلال قمتين لا بد أنه سيغير المشهد العربي وسيهيئ أرضية التفاهمات المشتركة وسيعيد الصراع مع إسرائيل إلى الجوهر الأساسي الذي اشتغل عليه العرب حقبة كبيرة من الزمان وحققوا نصر تشرين التحرير وها نحن اليوم نصل إلى ما كانوا يحتسبون به، مع مبلغ علمي بأن هذا الحال الذي أصبحنا فيه هو الذي سيجعل مؤشرات الحلول العادلة تقترب أكثر وهو الذي سوف ينقذنا من شرور الأزمة الاقتصادية والمالية الدولية. والسؤال الأخير ألم يكفنا ما جربناه ومن جربناهم؟ تعالوا إلى كلمة سواء.