وأضاف قائلا:« إن لينين وستالين لابد أنهما معجبان بما يجري في أميركا». وانضم أخيرا إلى الجوقة- نيت غينغريتش- قائلا:« إن ما تشهده فترة أوباما هو استنبات للاشتراكية الأوروبية في واشنطن».
لكن ما يثير الدهشة فعلا، ونحن نراقب المشهد السياسي في واشنطن هو الغياب شبه التام للمدافعين عن الاشتراكية على الأقل كما فهمها الرعيل الأول الذي حمل المشعل أثناء الأزمة الرأسمالية الكبرى خلال ثلاثينيات القرن الماضي. ففي تلك الفترة كان الاشتراكيون والشيوعيون يتحدثون معا عن تأميم جميع القطاعات الصناعية الكبرى وإلغاء السوق الحرة إلى جانب نظام الأجور الذي كان قائما في ذلك الوقت. وبالطبع من المستحيل اليوم العثور على حزب ذي ميول «يسارية» يدعو إلى تطبيق نفس المطالب أو يبدي نفس الآراء لأنها ترقى في سياقنا الحالي إلى مصاف الهرطقة، بل حتى الزعيم الفنزويلي- هوغو شافيز- بسياسته الشعبية يستنكف عن المطالبة بالتأميم الشامل والكلي. لكن في سياق التطور التاريخي للفكرة الاشتراكية نفسها فإن ما نشهده اليوم من أزمة طاحنة للرأسمالية يعني نجاح التصور الذي أعاد فيه الاشتراكي الألماني- ادوارد بنشتاين- تعريف الاشتراكية أواخر القرن الماضي باعتبارها الجهود المبذولة حاليا لإضفاء مسحة إنسانية على الرأسمالية من خلال آليات الحكومة الديمقراطية، معتبرا أن الدعوة إلى استبدال الرأسمالية كليا هو من شطحات الخيال، أما في سياق التاريخ الأميركي نفسه، فإنه عندما انسحبت نقابات قطاع النسيج في نيويورك من الحزب- الاشتراكي- لدعم خطة فرانكلين روزفلت في عام 1936 فقد كانت بذلك ترسم نموذجا خاصا للاشتراكيين الأميركيين بانضمامهم إلى الحزب- الديمقراطي- ليس بهدف إلغاء الرأسمالية، بل لتنظيمها ودمقرطتها ثم لخلق فضاءات للحياة العامة غير خاضعة لقوى السوق.
لكن- المحافظين- في الولايات المتحدة لم ينتقدوا الاشتراكية إطلاقا، لأن حضورها لم يكن أكثر من شبح يختال وراء الرأسمالية الأميركية.
وبدلا من ذلك، راحوا يضعون العصي في عجلة الإصلاحات التقدمية مثل تعميم التعليم المجاني ووضع حد أدنى للأجور، أو فرض ضوابط على القطاع المالي.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى نجاحهم الكبير، من وجهة نظرهم، بإبقائهم أميركا بعيدة عما يعتبرونه وصمة تعميم الرعاية الصحية على المواطنين، والنتيجة أننا من أكثر دول العالم إنفاقا على الرعاية الصحية التي تتحملها الشركات، ووجود أكثر من خمسين مليون أميركي خارج التغطية الصحية بالإضافة إلى تفوقنا على 41 دولة في نسبة وفيات الأطفال، ومع ذلك لا يسعنا سوى الإشادة بتماسك خطاب- المحافظين- وعدم انحرافه عن مبادئه الثابتة. فهم كما انتقدوا روزفلت باعتباره اشتراكيا، ينتقدون اليوم أوباما ويوجهون له نفس التهمة، وبما أن أوباما- كما روزفلت من قبله- لايسعى إلى إقامة نظام اشتراكي بقدر ما يتطلع إلى احياء النظام الرأسمالي بعدما وصل إلى طريق مسدود. لذا فإن الإنفاق الذي أقره أوباما في خطة الدعم الاقتصادي ليس دعوة إلى الاشتراكية، إنما هو الطريقة الوحيدة لضخ الأموال الضرورية في نظام أصبحت فيه استثمارات القطاع الخاص والاستهلاك والتصدير، وهي المحركات الثلاثة للنمو في النظام الرأسمالي، تعاني أزمة حقيقية تهدد بتداعي مجمل النظام ، كما أن استثمار مزيد من دولارات الضرائب في التعليم والبحث العلمي والتطوير هو الأسلوب الأمثل لاستخدام المال العام لتعزيز تنافسية القطاع الخاص.
وفي نفس الإطار يشكل لجم البنوك وتقنين المضاربة العشوائية والمجنونة بأموالنا الضمان الأكيد لبقاء تلك البنوك على قيد الحياة.
وإذا نجح أوباما في تطبيق أجندته، فإن ما سنجنيه هو نظام رأسمالي أكثر مراعاة للجانب الاجتماعي واكثر قدرة على البقاء والتنافس . لذا حتى منتقدي أوباما الأكثر حصافة وموضوعية، لايتهمونه باللينينية، بل باستنساخ الرأسمالية الأوروبية واستنباتها في أميركا. والحقيقة أنه على مدار ربع القرن الماضي كانت الرأسمالية الاوروبية قد أصبحت أقل انضباطا وأكثر تشبهاً بأساليبنا وهو ما يفسر غرق السفنية الاوروبية على غرار الباقي. وهنا أقول لكم من موقعي كاشتراكي ديمقراطي إن النسخة الأميركية من الرأسمالية مطلقة الحرية لن تستبدل بالاشتراكية كما يعتقد المحافظون بل برأسمالية أخرى أكثر انضباطا وأقدر على البقاء والاستمرار، وأقول أيضا إنه بالنظر إلى الاخفاقات الكبيرة للمؤسسات الاستثمارية في وول ستريت والأزمة العالمية للبنوك التجارية وانهيار الصادرات الآسيوية والألمانية والأميركية، وقرب سقوط صناعة السيارات في الولايات المتحدة فضلا عن تهاوي أسواق الأسهم في كل مكان والارتفاع المخيف لمعدلات البطالة ثم الهشاشة المتزايدة للحكومات في الديمقراطيات الناشئة التي فتحت نفسها أمام السوق العالمي، أقول بالنظر إلى كل ذلك تلوح اليوم في الأفق رأسمالية اجتماعية واعدة لأن الرأسمالية المنفلتة كما عهدناها أضاعت نفسها طوال الثلاثين عاما الماضية وجرفت معها عالما بأكمله كنا نعرفه. وبالنسبة لـ«المحافظين» الذين يبحثون عن مذنب يحملونه جريمة التحول الرأسمالي، أقول لهم إنه رغم جهودنا نحن الاشتراكيين لم نكن المسؤولين، بل كان نظامكم الرأسمالي الفاشل.