وكما يعرف أي لاعب شطرنج فان البداية تكمن في وضع قطع اللعب في اماكن صحيحة من اجل توليد خيارات عديدة قدر المستطاع لانهاء اللعبة في منطقة الشرق الاوسط.
عوضا عن زيادة المرونة ، علب الرئيس الاميركي السابق جورج بوش السياسات الاميركية في الشرق الاوسط في خيارات محدودة . وقد تسبب غزو العراق في تقويض مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة وهو ما دفع الكثير من حلفائنا المقربين الى التساؤل حول نوايانا و مصداقيتنا. كما ان حرب بوش المعلنة ضد الارهاب واشارته الى الصليبيين ضد الارهاب اثبت للعالم الاسلامي بأسره ان الولايات المتحدة تخوض حربا ضد الاسلام بشكل خاص . اما فريق اوباما فقد اخذ على عاتقه خطوة اولى باتجاه انتاج فرص جديدة. وبدأت هذه العملية مع خطاب التعيين الذي دعا الرئيس اوباما خلاله الى اقامة علاقات جديدة مع العالم الاسلامي بالاعتماد على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل ،فضلا عن الحديث الذي اجراه اوباما مع قناة تلفزيونية عربية وما كان لها من ردود فعل ايجابية في العالم العربي والاسلامي تحديدا.
وربما تكون اكثر خطوة مثيرة اقدم عليها اوباما هي عندما اعلن ان القوات الاميركية ستنسحب من العراق بنهاية 2011 واعاد التأكيد للعراقيين ولجميع شعوب المنطقة بأن الولايات المتحدة لا تسعى الى السيطرة على منطقتهم ولا على مصادرهم وثرواتهم وانها تحترم سيادة العراق والتضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب العراقي من اجل بلده وهي تتطلع نحو انتقال كامل للسيطرة الى ايدي العراقيين للحفاظ على امن العراق. كما ان الادارة الاميركية الجديدة ارسلت اشارات ايجابية الى ايران اضافة الى تحذيرات قاسية وبذلك تركت الخيارات مفتوحة. ان تصريحات الرئيس بضرورة ان نكون قادرين على التحاور مع الايرانيين بوضوح من اجل التوصل الى تقدم ودعوة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الى اشراك ايران في المؤتمر الذي سيعقد قريبا بخصوص افغانستان، تقدم فرصة كي يتعاون البلدان مجددا. لكن هيلاري كلينتون استخدمت لغة قاسية عندما تحدثت عن الخطر الذي تمثله ايران على جيرانها العرب وعلى اسرائيل . وفي خطوة اخرى للحصول على دعم روسي من اجل وقف البرنامج الايراني النووي، ربط اوباما بين التوقف عن نشر نظام صواريخ دفاعية في اوروبا الشرقية الامر الذي تعتبره موسكو خطرا وتهديدا عليها، وامتناع روسيا عن دعم البرنامج النووي الايراني. ان قرار الادارة الاميركية ارسال دبلوماسيين رفيعي المستوى الى سورية في الاسابيع الماضية ما هو الا مؤشر ايجابي اخر وذلك بعد ان رفضت ادارة بوش اجراء حوار بناء مع سورية . والواقع ان التحاور مع سورية سيمهد الطريق نحو انجاز تقدم في موضوع السلام مع اسرائيل وتخفيف العلاقات السورية الايرانية والحد من العلاقة السورية مع حزب الله. كما ان تعيين اوباما للسيناتور جورج ميتشل وقيام الاخير بزيارتين الى المنطقة وحضور كلينتون لمؤتمر اعادة اعمار قطاع غزة الذي عقد في مصر يبعث اشارات كثيرة بان السلام في الشرق الاوسط سيكون في اعلى اولويات ادارة اوباما. ربما ان قيام سلام بين العرب والاسرائيليين لن يوجد حلا سحريا لجميع مشاكل الولايات المتحدة في المنطقة، ولكنه سيعيد تشكيل الوضع الاميركي بشكل ايجابي ودراماتيكي.
ان جميع هذه المبادرات تزيد المرونة وتهيئ الطاولة لما هو قادم ، ولكن كما في لعبة الشطرنج،وسط اللعبة ونهايتها تكون اكثر صعوبة وتعقيدا من بدايتها . والمهم كيف يلعب نظراؤك، وخاصة اللاعبين الاساسيين .
لا شك ان استراتيجية فريق اوباما سوف تتأثر بعوامل عدة مثل ردود فعل الإيرانيين والسوريين والروس على الاقتراحات والعروض الاميركية، ونوع الائتلاف الحكومي في اسرائيل وكيف يمكن رأب الصدع بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ، فضلا عن تطور الامور في العراق فيما لو خرجت القوات الاميركية من هناك . ان البداية كانت قوية ويمكننا القول ان خيارات الولايات المتحدة الان باتت اكبر بكثير عما كانت عليه قبل تولي اوباما للرئاسة.