حيث صوت عليه الجمهور وسط منافسة قوية مع الفيلم السوري «ست قصص قصيرة» واعتبرت المخرجة سلوم أن الجائزة تعني لها الكثير وقيمتها كبيرة جداً، فالفيلم استغرق منها جهد أربع سنوات ونصف السنة، ويعد باكورة أعمالها السينمائية التسجيلية الطويلة وحاز على عدد من الجوائز.
هيب هوب...
أن تحمل هموم وطن إلى بلاد الغربة، وتسعى إلى تغيير الصورة المرسومة عن العربي في الغرب المرتبط بصورة الإرهابي لتسعى إلى قلبها من خلال الصورة والصوت وباللغة التي يفهمها الغربي لهو أمر أمضى من الحسام المهند، فقد رصدت المخرجة من خلال كاميرتها التي تنقلت بها مابين أراضي عام 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة، وتناولت قصص شباب عربي اتخذوا الغناء سبيلاً للتنفس عن معاناة مريرة وألم عميق لحياة يومية يعيشونها في ظل احتلال دأب على التنكيل بهم وتطبيق كل أشكال التمييز العنصري ضدهم ولتصبح كلمة عربي في وطنهم محض أوهام ليسوا بحاجة ليثبتوا براءتهم منها.
في اللد ولدت أغاني فرقة (DAM) لأغاني الراب من رحم معاناتهم وآلامهم حيث ضمنوها تشبثهم بهويتهم العربية وإصرارهم على البقاء في أرضهم وتحديهم الحدود التي يفرضها الاحتلال من نقاط تفتيش وجدران عزل إلى أنماط بوليسية وعسكرية، اختلطت السياسة مع أغانيهم ولاسيما بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، ولكن ظل يحدوهم أمل أن ثمة شمعة صغيرة في آخر النفق، وفي غزة اتخذ أعضاء فرقة (P.R) الغناء أيضاً وسيلة للتنفيس عن عذابهم والحبس الذي يعيشون به، حيث صعوبة الانتقال من خان يونس إلى مدينة غزة الذي بات يستغرق منهم خمس ساعات رغم أن البعد بينهما بضعة أميال فقط، فالتنقل ضمن مساحة جغرافية صغيرة أصبح حلماً لشباب صارت أصوات القصف هي خبزهم اليومي، والموت والحياة يتجاوران مع بعضهما، تنتقل المخرجة بين الدمار وأنقاض أحياء بأكملها تحولت إلى ركام من فوقها يؤدي أعضاء الفرقة أغانيهم وحبهم للحياة والسلام, فالحياة رغم مشاقها تستحق أن تعاش.
إنه فيلم تسجيلي صار أقرب إلى الدراما، صدق الصورة وغناها الواسع والتلقائية التي كانت تحكي وتتحرك فيها شخصيات الفيلم جعلت المشاهد أسير واقع وإن كان أحياناً ثمة ما أضحكه فإن في (شر البلية ما يضحك) ... حبس دموعه التأثرية وصفق بحماس لفيلم عجزت عن نقل فحواه أقلام وكاميرات الصحفيين والمعلقين ونشرات الأخبار.
أشياء صغيرة:
ثمة العديد من الأفلام الرائعة المعروضة في التظاهرة يمكن الحديث عنها ولعل من أهمها فيلم (أشياء صغيرة) للمخرج الفرنسي الرائد في الأفلام التسجيلية نيكولا فيليبير، فقد نصب كاميرته في مصح لابورد الفرنسي للأمراض النفسية ولم يكن الألم والمعاناة غائبين عن وجوه شخصيات العمل وهم نزلاء المصح والمشرفون عليهم، ومع ذلك فإن المرء ليشك أنه مصح نفسي من جمال المكان الساحر وسط الغابات ومن تعامل النزلاء والمشرفين المريح وتعاونهم مع بعضهم البعض.
ابتعد المخرج قدر الإمكان عن تصوير أناس في لحظات ضعفهم وهشاشتهم وإنما رصد من خلال تدريباتهم على تمثيل مسرحية لحظات خيبتهم ونجاحهم عبر تعابير تنم عليها حركات وجوههم فاقتربت الكاميرا من الشخصيات ورسمت معاناتهم بتفاصيل هامشية وحركات عفوية أصدق ما تكون عن حالات التعب والوحدة والفرح والحزن، تركت لهم حرية تطبيق طرق مختلفة لتمثيل المسرحية بمحاولات مرتجلة، وابتعد عن اقتحام حياتهم الخصوصية، وقد أعرب المخرج عن تردده بعض الوقت في تصوير فيلمه لخوفه من التجربة ولكن إصرار المشرفين عليه والنزلاء شجعه على إخراجه ليحصد عليه جوائز عديدة.
لقد لقيت هذه التظـاهرة إقبالاً كبيراً لدى الجمهور، ومما لاشك فيه أن نجاحها سيكون عامل تفاؤل للمنظمين مع تخللها بعض الخيبات ولكن أهميتها الكبرى تأتي بكونها مبادرة مستقلة لمجموعة من الشبان انتفت عنهم صفة الربحية واستقطبت العديد من الأسماء البارزة في هذا المجال.
يذكر أن تظاهرة سينما الواقع ما إن اختتمت أيامها في دمشق في (11) من الشهرالجاري حتى أحيت هذه الأيام في طرطوس وحمص (12-15) الشهر الجاري.