إلى أن رست مؤخّراً على ما يسمى ( جبهة النصرة ) التي أعلنت هويتها الإرهابية من خلال تبنيها للتفجيرات التي قامت بها في دمشق وحلب وحمص ، وغيرها من المناطق السورية ، مع أنّ الدولة السورية نبّهت إلى ذلك بعد بدء الأحداث المسلّحة بفترة قصيرة ، عبر تصريحات المسؤولين السوريين ، وعبر الرسائل المتعدّدة التي وجّهت إلى الأمين العام للأمم المتحدة .
لقد أثار القرار الأمريكي إدراج ( جبهة النصرة ) الإرهابية ، المرتبطة بالقاعدة ، والتي تقاتل ضد الدولة السورية ، على لائحة المنظّمات الإرهابية ، وتجديد أموال عضوين منها ، عدداً من التساؤلات عن جديّة هذا القرار وخلفيته السياسيّة والعسكرية ، وهل جاء نتيجة قلق الإدارة الأمريكية الفعلي واقتناعها من تزايد الإرهاب في سورية , أم لتحقيق شيء آخر عن وجود هذا الإرهاب لاتخاذه ذريعة للقيام بعمل ما في سورية ؟ ولا سيّما أنّ للولايات المتّحدة الأمريكيّة تاريخاً طويلاً مع المنظمات الإرهابية عامة ، ومع تنظيم القاعدة الذي تنتمي إليه ( جبهة النصرة) خاصّة، وهو تاريخ حافل بالتناقضات الإيجابية والسلبية ، وفق ما تقتضيه متطلبات السياسة الأمريكيّة ( الداخليّة والخارجية) .والأمثلة كثيرة على ذلك في أفغانستان والعراق وباكستان ، واليمن والصومال .. وغيرها .
ولكنّ السؤال الأكثر حيرة واستغراباً ، هو : كيف تعتبر الإدارة الأمريكيّة جبهة النصرة منظّمة إرهابية، في حين تدعم العصابات المسلّحة في سورية ، والمرادفة لتنظيم ( النصرة ) مثل : لواء التوحيد ، لواء الإسلام ، لواء الخلافة .. وغيرها من التنظيمات التي ترفع راية القاعدة ، وتعلن صراحة عن هويتها الإرهابية التكفيرية ، التي تحلّل الذبح والتفجير والتدمير ؟ مع أنّ الإدارة الأمريكيّة تعرف حقّ المعرفة ، أنّ جبهة النصرة أصبحت فصيلاً أساسيّاً من فصائل العصابات المسلّحة التي تقاتل ضد النظام السوري، وتذبح المواطنين السوريين الأبرياء، وتدمّر المؤسّسات العامة والخاصّة .وإلاّ كيف يفسّر احتجاج معاذ الخطيب رئيس عصابة ( الائتلاف ) وجماعته من الأخوان المسلمين في سورية ، على القرار الأمريكي بإرهابية النصرة .
فكيف تستقيم هذه المعادلة المتناقضة في السياسة الأمريكيّة ؟ والإدارة الأمريكية تدرك تماماً أنّ جبهة (النصرة ) لم تكن توجد في سورية لولا وجود العصابات الإرهابية في صفوف المعارضة المسلّحة ، التي أعلنت صراحة أنّها على استعداد للاستعانة بأي طرف كان ، حتى لو مع الشيطان ، من أجل إسقاط النظام الوطني في سورية . فجبهة النصرة هي توءم العصابات / الجهاديّة ، التكفيرية المسلّحة، المدعومة من دول عربية وإقليمية أصبحت معروفة ومكشوفة، وفي مقدّمتها ( قطر والسعوديّة وتركيا ) .
ألم تكشف التقارير الاستخباراتية والصحفيّة ، أنّ قطر والسعودية تمولان الإرهابيين / الجهاديين إلى سورية على دفعات متتالية ؟ ألم تثبت هذه التقارير أنّ تركيا تؤوي إرهابيي ( جبهة النصرة ) ؟ وأكثر من عشرة آلاف من جهاديي تنظيم القاعدة موجودون في لواء اسكندرون ، يتدربون وينطلقون إلى سورية ؟ ألم تذكر صحيفة / الإندبندنت / في عددها الصادر يوم الخميس 20/12/2012، أنّ (39 ) دولة ترسل مقاتلين إرهابيين إلى سورية ؟ أليس من الإنصاف أن تعاقب هذه الدول بحسب القانون الدولي ، الذي يوجب معاقبة من يرعى الإرهاب ويشجعه ويموّله ؟ !
وإذا كان الأمر هكذا ، فهل تستطيع الإدارة الأمريكية أن تكمل اعترافها بأنّ الفصائل الأخرى المنتمية إلى جذر القاعدة ، هي منظمات إرهابية ومن الضروري ملاحقتها ومكافحتها ، بحسب المبدأ الذي تنادي به تلك الإدارة ؟ وإذا كانت الإدارة الأمريكيّة اعترفت فعليّاً بانتماء ( جبهة النصرة ) إلى تنظيم القاعدة الذي اعتبرته إرهاباً دولياً ، وتلاحقه في كلّ مكان ، ألا يحقّ للدولة السورية أن تحمي شعبها من إرهابه ، ومن أعمال الإرهابيين الذين يفجّرون المؤسسات والمدارس والمشافي والمراكز الخدميّة، ويغتالون المواطنين ، وآخرها تلك التفجيرات السبعة في يوم واحد ( الخميس14/12 / 2012 ) في دمشق وريفها، وشملت : وزارة الداخلية والمزّة ، وجرمانا وقطنا ، وراح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى ، معظمهم من الأطفال والنساء، في يوم انعقاد اجتماع من يسمون (أصدقاء الشعب السوري، وهذه كلّها لم تدغدغ مشاعرهم ولم تحرّك ضميرهم الإنساني ، وكأن أطفال سورية ونساءها ليسوا من الشعب السوري الذي يدّعون صداقته ..!
ألا يكفي هذا الاعتراف الأمريكي ، إن كان صادقاً ، بأنّ ما يجري في سورية من أعمال إرهابية لا تهدف إلى الحرية والديمقراطيّة وإصلاح النظام ( كما تدّعي أبواق المعارضة ) ، وإنّما تهدف إلى تدمير الدولة السورية وبنيتها المادية والبشرية ، وبالتالي تغيير هويتها التقدميّة /العربية والإنسانيّة ، واستبدالها بهوية سلفية / تكفيرية متخلفة ، لا تعترف بالآخر ، وتحلّل وتحرّم كما تفتي بالأمور وتفسّرها على هواها، بعيداً عن المبادىء الأخلاقية والقيم الإنسانيّة .
فهل ترضى الإدارة الأمريكية وحلفاؤها من ممولي الإرهاب وداعميه في سورية ، أن يحصل في بلدانهم كما يحصل في سورية من أحداث إرهابية لم يشهد تاريخ البشرية لها مثيلاً في أساليب القتل والتدمير ؟ وإذا كانت حادثة إرهابية قام بها رجل أمريكي أحمق /طائش ، أطلق النار على والدته ومعها ( 25 ) من التلاميذ والعاملين في مدرسة بمدينة ( نيو تاون ) ، أثارت موجة من الاستنكار والتنديد في أمريكا وخارجها ، وصل صداها إلى الأمم المتحدة ، فلماذا تصمت الأفواه عن الأعمال الإرهابية المتكرّرة في سورية ، والتي تقوم بها عصابات إرهابية منظّمة لم تعد أسماؤها خافية على أحد ..؟