رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي «بن برنانكي» نحت في شباط الماضي مصطلح «الهاوية المالية» عندما قال بان البلاد تواجه هاوية مالية في بداية 2013, ويقصد بها ان الزيادات الضريبية المنتظرة وضغط النفقات الاجتماعية وتقليص برامج دعم العاطلين والفقراء ,كلها ضخمة بشكل يهدد بخنق الاستهلاك,في بلد يشكل الاستهلاك فيه 70 % من ناتجه الإجمالي,ماسيؤدي الى تثبيط وفرملة الاقتصاد,السلحفاتي النمو أصلا,ما يعني ركودا.
في منتصف ليلةغد،يدخل قرار التوفير في الميزانية حيز التنفيذ بشكل أوتوماتيكي,والتوفير بلغة الأرقام يعني تقليص الإنفاق العام بنحو 110 مليارات دولار،وزيادة الضرائب بنحو 536 مليار دولار.
رأس السنة
القانون, الذي أنجزته «لجنة السوبر»بمشاركة أعضاء من الحزبين الرئيسين, فيه بند يقول:في حال تعذر التوصل إلى اتفاق جديد بين الطرفين قبل منتصف ليلة نهاية رأس السنة هذه,فسيتم اللجوء إلى تخفيض الإنفاق الحكومي بشكل حاد على جميع البرامج الاجتماعية التي يتجاوز عددهاالألف برنامج,يرافقه تحريك مستويات الضريبة صعودا,أوإعادة مستوياتها إلى سابق عهدها,وإنهاء العمل بالإعفاءات الضريبية للعديد من الشركات التي أجازبعضهاجورج بوش الأب في 2001. بعض البرامج معفاة من قانون ضبط الموازنةكالضمان الاجتماعي,ومعاشات التقاعد.
غل اليد
أن تغل الحكومة الأمريكية يدها في الإنفاق من جهة ,وان ترفع حصيلة الإيرادات من جهة ثانية,يعني إنها تقترب من هدف تقليص عجز الموازنة بواقع 560 مليار دولار,أو 600 مليارا وهو الرقم الأكثر تداولا.لكن ثمة كلفة لهذه «الهدف»,فمكتب الموازنة في الكونجرس يتوقع ان تؤدي هذه السياسات إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بأربع نقاط مئوية العام المقبل.ويعوم عدد من محللي الاقتصاد مع مكتب الموازنة,في ان هذه القوانين ستدخل الاقتصادفي حالة من الركود مجددا ,لاسيما وان معاناته لما تنتهي بعد.
فقدان الوظائف
تراجع الاقتصاد يعني عدم قدرته على توليد فرص عمل,مايعني ان البطالة سترتفع بنسبة واحد بالمئة,جراء فقدان مليوني شخص لوظائفهم,وبالتالي تقع الإدارة بين حلين أحلاهما علقم.وبين حدي تقليص الإنفاق وزيادة الضرائب يقبع المواطن الأمريكي, ومعه أسواق العالم,حذرا بانتظار انفراجة لهذا الانسداد,وبين هذين الحدين تتواتر التصريحات بين قطبي الديمقراطيين الذين يريدون خفض الإنفاق ورفع الضرائب على الأسر التي يزيد دخلها السنوي على 250 ألف دولار, وبين الجمهوريين-الرأسماليين,الذين يقترحون تقليص الإنفاق العام,مع زيادة الضرائب على الاسرالتي يزيد دخلها السنوي على مليون دولارفصاعدا.
فيتش تحذر
وبين الحدين تعقيدات وتعقيدات أيضا,فتطبيق ثنائية رفع الضرائب وتقليص الإنفاق يعني ركوداً «لا يمكن التنبؤ بعقباه» ماقد يجر إلى احتمالية تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة,وهو ما لوحت به «فيتش» مؤخرا,والتخفيض سيرفع نسبة الفائدة التي يقترض بها الاحتياطي الفيدرالي من الأسواق,وكل ذلك سيرافقه ارتفاع نسب البطالة لتتخطى9%, مايعني ان الجهودالمتواصلة التي بذلت عقب 2008 لخفض نسب البطالة ستذروها الرياح.لكن ماذالوتم تمديدالعمل بالقوانين إياها؟ عصا التمديد ستمحو كل الآثار السلبية,باستثناء خطرين دائمين. عجز الموازنة والدين العام اللذين وصلا الى مستويات تاريخية ,فإما تأجيل استحقاقات لعام او اثنين تفاديا لركود,وإما مواجهة المستحقات ,فآخرالدواء الكي.
تنازلات
الرئيس الأمريكي زعم انه قدم تنازلات بالجملة,آخرها تأكيده الأسبوع الماضي أنه لا يزال «على استعداد ويرغب في التوصل إلى حزمة شاملة» لتجنب الهاوية المالية,وانه حصر رفع الضرائب في شريحة الأسر الأمريكية التي يتجاوز دخلها السنوي 400 ألف دولار,وهو الذي كان يدعوسابقا, لفرضها على الأسر ذات دخل الـ 250 ألف دولار ,وبذلك وجه من جديد دعوة إلى الكونغرس لـ» تبني خطة أكثر تواضعا» من تلك التي جرى الحديث عنها في الأسابيع الأخيرة , وحديث اوباما يأتي على خلفية رفض البيت الأبيض أوائل الشهر الجاري اقتراحا تقدم به رئيس مجلس النواب الجمهوري «جون بينر» يدعو فيه إلى تسريع تقليص الإنفاق وإصلاح قانون الضرائب «لتحقيق زيادة في الإيرادات خلال عشر سنوات بنحو 800 مليار دولار».
خطة (ب)
الجمهوريون الذين عكفوا على صياغة خطة(ب) لتمديد التخفيضات الضريبية لذوي الدخول التي تفوق مليون دولار سنويا,يعتبرون ان الكرة في ملعب الديمقراطيين للخروج من عنق الزجاجة,والديمقراطيين الذين يشكلون أغلبية في مجلس الشيوخ يقولون ان مشروع القانون لن يمر,فيما يعتبرالمراقبون ان الخطوة «الجمهورية» تضيق الخناق على رقبة اوباما,وتتيح لأصحابها فرصة الظهور كمن «فعلوا ما بوسعهم «منع الهاوية» وفرصة القول بان الرئيس لا يريد «المضي قدما في هذا المسار».وبقيت هذه النقطة,حول سقف الدخل المعني بهذه الضريبة مثارالخلاف بين الحزبين.
مخاطر السقوط
الجذب والشد بين أرباب الجمهوريين والبيت الأبيض شغل مواطني أمريكا وشغل واقلق أيضا أسواق المال العالمية ,التي تتحسس أنوفها الشمّامة مخاطر ومزالق السوء والركود, الذي سيبدأ انعكاسه السلبي على الاقتصاديات الإقليمية, النفطية الخليجية تحديدا,والعالمية, ومرد التأثر إلى انكشاف حكومات الخليج على المصارف الاميركية, وخاصة خلال السنوات الأربع الماضية، حيث بلغت قيمة استثماراتها المباشرة في أدوات الدين الأمريكي بحدود 270 مليار دولار أمريكي, وعلى المستوى العالمي ستتأثردول مثل الصين ,التي تحوز على سندات أمريكية قيمتها أكثر من 1,2 تريليون دولار, واليابان أيضا التي تستثمرنحو 1,15 تريليون دولار والبرازيل 240 مليار, وتايوان أكثر من 200 مليار. وقد بلغت استثمارات دول العالم مجتمعة (دول ومؤسسات مالية وبنوك وصناديق تقاعد واستثمار) في أدوات الخزانة المالية الأمريكية أكثر من 5.5 تريليون دولار لتشكل أكثر من 35 في المائة من نسبة الدين العام الأمريكي بشكل مباشر