ماذا وراء المناورات العسكرية الإسرائيلية الجديدة؟
شؤون سياسية الأربعاء 16-9-2009م د. ابراهيم زعير المناورات العسكرية الإسرائيلية التي تنفذها إسرائيل تحت اسم (نقطة تحول 3) ليست سوى جزء صغير من المناورات الضخمة التي يستعد لها الجيش الإسرائيلي على جميع الجبهات،
والتمعن في خلفية هذه المناورات، سرعان مايدرك أن «إسرائيل» تعيش حالة من التوتر والتخبط الداخلي وفقدان الثقة بقدرة قواتها العسكرية، بعد هزيمتها القاسية في حرب حزيران 2006، وفشلها في تحقيق أهدافها في حرب غزة.
لقد شبه أحد الكتَّاب السياسيين حالة التحرك الإسرائيلي الراهن، إن كان على الصعيد السياسي والدبلوماسي أم على الصعيد العسكري، كحالة من يسير في الظلام وحيداً، ويحدث ضجة ويرفع صوته عالياً، ليبعد عن نفسه الخوف الذي يتلبسه، وهذا الخوف ليس فقط، نتيجة لعدم المعرفة الدقيقة بكيفية معالجة الثغرات العسكرية والأمنية والسياسية التي تعتقد أنها وراء فشلها في حربين متتاليتين، أودت بسمعة جيشها الذي كانت تتبجح دائماً بأنه لن يقهر ولن يهزم، ولكن خوفها الحقيقي من مقاومة باسلة، أدخلت الرعب وهواجس الهزيمة في داخل مؤسستها العسكرية وداخل كيانها الذي لأول مرة يتعرض لهجمات الصواريخ التي تطول العمق الإسرائيلي، وهذه الظاهرة الجديدة، تؤرق حكام «إسرائيل» لكونها باتت تمس وجوده الكياني بحد ذاته، فصواريخ المقاومة طالت العديد من مستوطنات الكيان الكبيرة والعديد من قواعده العسكرية ومواقعه الاستراتيجية والحيوية وبنيته الاقتصادية، وهذا ما لاتتحمله «إسرائيل» ولاسكانها القادمين من مختلف أصقاع الأرض، أملاً في حياة رغيدة مستقرة، وفجأة شعروا أن حياتهم ووجودهم مهدد وغير آمن ما خلق حالة من الهروب مجدداً من داخل الكيان إلى خارجه، وانحسار تدفق المهاجرين اليهود بالكثافة السابقة، والتي تشكل الرافد الرئيسي للاستيطان الإسرائيلي الذي وصل إلى مستويات متدنية لاسابق لها، في ظل الخوف من عدم القدرة على إيجاد الوسائل المعتادة لحماية هؤلاء المهاجرين المستوطنين إضافة إلى عجز القيادة السياسية الإسرائيلية عن إقناع حتى حلفائها في الغرب، بالتبريرات التي حاولت تسويقها،عن الأساليب الدموية التي تمارسها ضد الفلسطينيين الآمنين (المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ) تحت ذريعة واهية اعتادت أن تروج لها وهي ذريعة «الدفاع عن النفس» وتبعات هذه السياسة المنافقة من رفضها الدائم لخيار الدولتين أوإيقاف الاستيطان وقضم المزيد من أراضي الفلسطينيين وافتعالها لأزمة الموقف من برنامج إيران النووي، كتبرير لامتلاكها السلاح النووي كحالة وحيدة في الشرق الأوسط، والحقيقة أن رفضها لقرارات مجلس الأمن الدولي كلها وحتى للاتفاقيات الثنائية مع الفلسطينيين رغم نواقصها الخطيرة، ليست أكثر من تعبير عن حالة الهلع والخوف وعلى انكفاء دورها المنوط بها منذ قيامها كقاعدة عسكرية متقدمة لتحقيق الأهداف الاستعمارية في «الشرق الأوسط» لأن انكفاء هذاالدور بفعل عدم القدرة على القيام به سيفقد ثقة حلفائها بها، ويفقدها مبررات وجودها أصلاً، لعجزها عن إنجاز وظيفتها الاستراتيجية التاريخية.
(فإسرائيل) اليوم ليست كما كانت بالأمس، وهذه الوضعية دفعتها للبحث عن طريق آمن يضمن لها دورها وتأثيرها على مجريات السياسة الشرق أوسطية، وهذا مايفسر لجوءها إلى التفكير الجدي بإخراج قدراتها النووية من حالة الغموض والانكار الدائم إلى ايجاد صيغة ما تشرع امتلاكها لهذا السلاح، تحت شعار «ضرورات الردع النووي الإسرائيلي» وكل ذلك يدل بشكل لايرقى إليه الشك، بأنها لم تعد قادرة على حسم أي معركة بالوسائل العسكرية التقليدية واستخدام دبلوماسية الردع النووي تجاه ماتسميه مشروع إيران النووي، رغم أن القيادة الإيرانية تعلن دائماً أن برنامجها النووي ذو طبيعة سلمية لاعسكرية لأن ذلك يتناقض مع مبادئها وسياستها كدولة لاتسعى لامتلاك السلاح النووي، ولكن «إسرائيل» والغرب معها رغم معرفتهم الدقيقة بالطبيعة السلمية للمشروع النووي الإيراني، فإنهم غيرقادرين على التصالح مع واقع مشاهدة إيران دولة قوية اقتصادياً وقادرة بوسائلها العسكرية التقليدية المتطورة ليس فقط في ردع مطامع الغرب و(إسرائيل) بل وتوجيه ضربة قاسية لهذا الكيان تعيده إلى حجمه الطبيعي ككيان عاجز وفاشل وغيرقادر على متابعة وظيفته في المنطقة وعلى المستوى الإقليمي وربما المشاحنات الأميركية الإسرائيلية حول مسألة الاستيطان تدخل في إطار تراجع الثقة الأميركية بالدور الإسرائيلي الممكن لتحقيق الأهداف الأميركية المرسومة للمنطقة ككل، فالولايات المتحدة والغرب عموماً لديهم سياسة برغماتية صرفة، ولايهمهم كثيراً نوعية الجهة التي تنفذ لهم مشروعاتهم في هذه المنطقة أو تلك من العالم، المهم تنفيذها، ورغم أن الغرب وأميركا لم يفقدا الثقة بشكل كامل، إلا أنها لم تعد كما كانت سابقاً، إذا لم نقل إن إسرائيل باتت تسيء أكثر لأميركا والغرب، مما يمكن أن تقدمه من خدمات، وبقدر قوة المقاومة على الصعيدين الرسمي العربي والشعبي ومنظمات المقاومة الوطنية البطلة، فإن حالة الانحسار الإسرائيلي وبقدر ماتتعمق، بقدر ما يقترب إنهاء الحالة الكيانية الوجودية (لإسرائيل).
|