المشروع يبدو هشاً، ويبقى معرضاً لمخاطر الأوضاع السياسية في «الشرق الأوسط» والأمر برمته متعلق بهمة إدارة أوباما على دفع عملية السلام إلى الأمام. كيف يمكن للاتحاد من أجل المتوسط وهو مجموعة واسعة مكونة من 43 بلداً تقع على شواطئ البحر المتوسط، وفي ظل العدوان الإسرائيلي على غزة مؤخراً طلبت البلدان العربية تجميده، إذا لايمكنها أن تتصور الجلوس، بعد هذا العدد الكبير من القتلى والدماء الغزيرة على طاولة واحدة مع ممثلي الكيان الصهيوني ؟.
إنه تغير ملحوظ في موقف العرب، ولاسيما أن الاتحاد مدين ببقائه المؤسساتي لهم.
مصر التي تشارك برئاسة الاتحاد لعبت دوراً محورياً باستخدامها دبلوماسية ماهرة، فقد استنتجت القاهرة أن مقاطعة الاتحاد التي تواصلت بالفعل منذ الاسبوع الأول من كانون الثاني لم تأتِ بنتيجة مؤلمة للحكومة الإسرائيلية، فاتضح لها إذاً أنه من الأفضل الاستحواذ على هذا المنتدى المتعدد الاتجاهات لإيصال صوتها، وبالتالي استخدامه كمنبر لفضح «إسرائيل» التي تبقى على الحصار الكامل لغزة، وتمنع أي كيس اسمنت بالدخول منذ ستة أشهر بالرغم من الحاجة الملحة للبناء.
نجحت مصر في ضم كامل المجموعة العربية إلى هذا الرأي وكذلك سورية ولبنان ومعهما الجزائر، كانوا أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة على وشك طلب تجميد الاتحاد للمشروع حتى إشعار آخر، فرنسا، مهندسة «هذا الاتجاه» التي أثارت في عام 2008 تحفظات حتى في أوروبا ولاسيما في ألمانيا، تجني كذلك ثمار عزمها الارتقاء بالعلاقات مع مصر إلى الشراكة المفضلة.
كانت الاستعادة صعبة، فبعد حرب غزة راهن الدبلوماسيون الفرنسيون على إعادة إقلاع الاتحاد بعد قمة الجامعة العربية في الدوحة نهاية آذار في 23 نيسان حيث جرت محاولة أولى باءت بالفشل، لقد وضع العرب شرطاً وهو اعتراف «إسرائيل» بمكتسبات الاتحاد كما حددها الاجتماع الوزاري الأول في مارسيليا عام 2008، أي إعادة التأكيد على مبدأ «الدولتين» (فلسطين وإسرائيل)، لكن الممثلين الإسرائيليين رفضوا، خلال الاجتماع التعهد مدعين أنه تجري (إعادة النظر) بسياستهم بعد تشكيل حكومة نتنياهو الجديدة.
للخروج من الأزمة، تم اتخاذ القرار لعقد اجتماعات غير رسمية، وتم تشكيل مجموعة عمل تضم 30 بلداً من الاتحاد (من الدول الأوروبية والعربية الرئيسة بالإضافة إلى إسرائيل) للبحث في أنظمة المنظمة وخاصة أمانتها العامة.
كما تم إحراز تقدم في بعض المشاريع العلمية، كالطاقة الشمسية، الدفاع المدني، وتحويل الشركات.
وأشار دبلوماسي حضر المباحثات «أن العرب لاحظوا أن بإمكانهم محاسبة إسرائيل أمام الأوروبيين وهذه مهارة»، إن الاتحاد من أجل المتوسط الذي وصفه الرئيس الفرنسي عام 2008 كمكان مسوّر لزرع بذور السلام بين العرب والإسرائيليين بالتمثل بنموذج البناء الأوروبي والمصالحة الفرنسية الألمانية،يتطلع إليه العرب كنافذة لإقامة سلام حقيقي مع «إسرائيل» مع استرداد كافة حقوقهم المسلوبة وأراضيهم المحتلة، وتخشى بعض البلدان العربية أن يفضي حل الاتحاد إلى تطبيع علاقاتها مع «إسرائيل» في غياب عملية السلام، وثمة من يرى أن حل الاتحاد أمر شبه مستحيل لأنه سيصمد بوجه جميع المحن.