ومع الأسماء التي قدمت شهادتها في الندوة التي وثقت بهذا الكتاب الحاجة الملحة والضرورية لهكذا نوعية من الكتب التي تقع بين التخصص الدقيق والنظرة البانورامية العامة , بحيث تسد مسد غياب الكتاب الشعبي الميسر في تناوله لشتى قضايا الفكر والإبداع العربي.
قسّم الكتاب ولم يقسّم إلى ثمانية محاور تتقاطع مع بعضها البعض حول الإبداعية العربية , وتناول المحور الأول: الإبداع العربي المعاصر تحديات ورهانات وتسنّم لذلك كل من د. جابر عصفور الذي خلص إلى أن الرواية العربية ووفقا لطبيعتها قد تكون هي الحامل الرئيس لهموم الإبداع العربي دون التقليل من شأن الأجناس الأخرى , في حين قدم د. محمد برادة تحت عنوان الإبداع العربي : الفورة والتراجع والتعبير عن التحولات ... نحو إعادة صوغ الإشكالية وخلص من بحثه إلى أن الإشكالية في العالم العربي مزدوجة الحدين : حالة التداعي والتدهور السياسي والاجتماعي؛ وحالة توغل العالم في أزمنة اقتصاد وقيم وثقافة .. وهذا يستوجب قيام حركة اجتماعية تاريخية تقلب تربة المجامعات العربية وتثمن مشروعا للمستقبل يحرر المواطن العربي ويحمي حقوقه ويؤهله لمجابهة الغد.
المحور الثاني قاد دفته: د. عبدالله إبراهيم «الرواية العراقية الجديدة , المنفى الهوية , اليوتوبيا» , د. عبد الرحيم العلام .. الأصوات الروائية المغربية الجديدة في الألفية الثالثة, و فخري صالح, الرواية الفلسطينية , المنفى والألم والأمل, ونستطيع القول : إنهم برصدهم للرواية العربية تكشفت وحدة الصلصال الذي يصنع الراوي روايته منه, فالاحتلال والمنفى والقمع والتخلف تكاد تطغى على معظم استلهامات هذه التجارب وكأنها محاولة لتثبيت الهوية التي في مهب رياح هوجاء تعصف بالأمة العربية وخصوصا إبداعها.
والمحور الثالث جاء كأنه في حوار مع المحور الثاني تحت عنوان الإبداع العربي المعاصر في عيون الآخر في بحثين الأول : الأدب العربي المكتوب بالإنجليزية جغرافية متعدية للحدود ل د. ماري تريز عبد المسيح والثاني حول مشكلات ترجمة الأدب العربي ل د. محمد شاهين
ومن خلال هذا المحور تم توضيح فكرة أن الكتابة بلغة الآخر لا تعني التبعية مادامت تحمل هموم الكاتب وشعبه بل تلعب دورا مهما في التواصل مع الآخر ومن ثم لا تغدو الكتابة باللغة الفرنسية والانكليزية لغة معيبة بل لغة تحرر الذات من العزلة والانغلاق لإتاحتها فرصة التواصل مع العالم أجمع ولا يكتمل المحور إلا بتقصي واقع الترجمة الذي مازال دون المأمول منه بكثير.
ويقدم المحور الرابع بحثا مهما عن واقع الإبداع في الخليج كونه قد تأخر إلى حد ما عن غيره من أقاليم الوطن العربي, فعرض د. معجب الزهراني .. الرواية النسائية والخطاب الثقافي الجديد ورصد بها التطور الإبداعي وحراكه الجدلي مع واقعه وطموحاته, في حين استقرأ د. سعيد البازعي قصيدة النثر وعبء الموروث, الجزيرة والعالم ؛ ليصل إلى جملة معطيات شعرية تؤكد عمق العلاقة بين القصيدة الحديثة النثرية بشكل خاص والموروث , على أن تلك العلاقة ليس علاقة انسجام وتماه بقدر ما هي علاقة توتر بين شد وجذب , وهذا ليس حال شعراء الجزيرة العربية في علاقة الحديث بالموروث بل عالمية ولا تختص بمنطقة دون أخرى. ويقدم طالب الرفاعي تجربته في عالم الرواية تحت ثيمة « كتابة الرواية حياة مجاورة».
الرواية والتاريخ عماد المحور الخامس وتصدى له كل من د. بنسالم حميش عن سيرة فلاسفة عرب وروائيتها» أبو الوليد ابن رشد أنموذجا» وكيف أن هذه الشخصية منجم ثر لإبداعات لا تنتهي هي وغيرها , أما د.قاسم عبده قاسم, فقد دخل عمق الباعث لكتابة الرواية التاريخية وأسباب ازدهارها منها غياب الحرية والقمع في حين قدمت د. هالة فؤاد بحثا في المتخيل الروائي بين التاريخي والميتافيزيقي وتسأل : لماذا تلتبس الميتافيزيقا بالتاريخ في اللعبة السردية الخيالية؟ هل هو التاريخ ذاته يباغت الراوي بما يحتويه من مفارقات ميتافيزيقية مدهشة وغير متوقعة؟ أم أنه التباس قابع في لاوعي الراوي ذاته؟ وربما كان حلا للمأزق السردي في توتره بين التاريخ الوثائقي, والمتخيل الروائي.
في تجارب وشهادات سرد كل من إسماعيل فهد إسماعيل و د .موسى ولد ابنو ود . محمد المخزنجي تجاربهم الإبداعية , فأتت داعمة وشاهدة على ما سبق وهذا هو المحور السادس.
ولتكتمل المشهدية الإبداعية العربية لا بد من حضور الفنون الجميلة سابع المحاور, لكل من سامي محمد في البحث عن الإنسان وتجربة في المكان ل حسان بورقية والواقعية السحرية في الفن التشكيلي ل هند عدنان.
وعطفا على المحور الأول جاء المحور الثامن بعنوان الشعر ديوان العرب ناقشه كل من: محمد علي شمس الدين ود. صلاح فضل والشعراء سعدية مفرح وصلاح دبشة.
ونختم بقول صلاح عبد الصبور:» كيف أجن / كي ألمس نبض الكون المختل».
Bassem-sso@windowslive.com
تجارب في الإبداع العربي صادر عن وزارة الإعلام
مجلة العربي الكويت 2009