تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حضارة التلامس بين الشرق والغرب

كتب
الأربعاء 16-9-2009م
ظلت الحضارة الإسلامية تسيطرعلى العالم طوال خمسة قرون وكانت ممثلة للحضارة الإنسانية طوال العصور التي سيطرت فيها، ومازالت آثارها واضحة في تلك الحضارات، إذ إن العناصر الحضارية الإسلامية قد دخلت ضمن التراث الإنساني،

حيث إنها ارتبطت وأثرت في أمم المشرق والمغرب وغيرت كثيراً من أقطار آسيا وإفريقيا وأوروبا، وكان لهذه الفنون الإسلامية تأثير واضح في فن النهضة الأوروبية من خلال عدة روافد ومصادر، هي العلاقات التجارية بين الشرق وأوروبا وأيضاً الحروب الصليبية التي شنتها أوروبا ضد الشرق الإسلامي، وكذلك حج الأوروبيين إلى الأراضي المقدسة بفلسطين واهتمام الملوك والأمراء في أوروبا بالفنون الإسلامية عن طريق اقتناء الأعمال الفنية التطبيقية والخط العربي والسجاد الإسلامي، من هنا تأتي أهمية دراسة مايمكن أن نسميه (التلامس الحضاري الإسلامي- الأوروبي) الذي عنت به الدكتورة إيناس حسني فضم بحثها هذا عناوين مهمة:،‏

(الفن الإسلامي والنهضة الأوروبية، مصادر الفن الإسلامي، تأثير الثقافة العربية في النهضة الأوروبية، تأثير الفنون الإسلامية في النهضة الأوروبية، الاستفادة من الفن الإسلامي، أثر الفن الإسلامي في الفنون الأوروبية، التجديديون الأوروبيون والفنون الإسلامية، الفن الحديث وروح الفن الإسلامي)..‏

في منتصف القرن العاشر بعد الميلاد تقريباً صار معظم العالم المتحضر كتلة واحدة تسيطر عليها الدول الإسلامية لتسودها حضارة الإسلام وكان العالم الأوروبي يعتمد اعتماداً كبيراً على العالم الإسلامي في ذلك الوقت نظراً إلى أوضاعه السياسية والاجتماعية والجغرافية ومن ثم ازدهرت العلاقات التجارية بين أوروبا والشرق الإسلامي، وقد أخذ الأوروبيون ولاسيما الإيطاليون يحلون محل المسلمين والبيزنطيين في مجال التبادل التجاري قبل اندلاع الحروب الصليبية التي كان لها أثرها في حياة البشر في العصور الوسطى، كما وجهت اهتمام الأوروبيين إلى الشام من جهة، وكان لها دورها في زيادة نشاط الحج والنشاط التجاري وتأثيرهما من جهة أخرى في هذه الدول، وقد قامت المدن الإيطالية بدور كبير في هذ المجال حيث كان التجار الإيطاليون يحملون البضائع الإسلامية، من منسوجات حريرية مطرزة برسوم جميلة وزخارف عربية وأدوات نحاسية مطعمة بالذهب والفضة وأدوات خزفية وزجاج وبلور صخري ومخطوطات إسلامية، وغير ذلك من منتجات مزينة بزخارف عبارة عن صور وكتابات وحليات هندسية ونباتية وحيوانية إلى أنحاء أوروبا التي بدورها حاولت اقتناء تلك الأعمال نظراً إلى دقتها وجمالها وأسلوبها الجديد عليهم.‏

وكان للحروب الصليبية دورها المهم كذلك في نقل التأثيرات الفنية الإسلامية إلى أوروبا حيث أدت إلى استقرار كثير من الأوروبيين في الإمارات الصليبية في الشام فترة من الوقت، مكنتهم من معرفة الصناعات والفنون الإسلامية عن قرب في البلاد التي عاشوا فيها، وكذلك مكنتهم من اقتباس كثير من التقاليد التي وجدوا أنها أكثر تقدماً مماألفوه في أوطانهم الأوروبية، وعندما رجع معظم هؤلاء الأوروبيين إلى بلادهم بعد أن أجلاهم المسلمون من المناطق التي كانوا قد احتلوها في بلاد الشام أخذوا معهم كثيراً من التحف الإسلامية إضافة إلى التقاليد الفنية الإسلامية التي كانت قد أثرت في الصناع والفنانين وقد تعلموها منهم بحكم معيشتهم وسط بيئة عربية إسلامية، وكان لهذه التقاليد الفنية الإسلامية والتحف العربية التي انتقلت إليهم أثر كبير في نقل الحضارة والفنون إلى أوروبا وأيضاً كان للحروب الصليبية أثرها في المجال الحربي، ذلك أن هذه الحروب كانت سلسلة من الحروب الكثيرة التي استلزمت استخدام أسلحة جديدة وابتكار خطط وأساليب عسكرية، ومن ثم كان لها دورها في تطوير فنون الحرب في أوروبا، وظهر هذا التطور في العمارة والحصون الحربية مثل عمارة القلعة الملمومة وهي طراز من القلاع يتميز بأن جميع أبراج القلعة وحصونها الدفاعية تؤدي إلى مركز واحد وبقعة واحدة في وسط القلعة، وحصونها الدفاعية تؤدي إلى مركز واحد وبقعة واحدة في وسط القلعة، سميكة الجدران، منافذها عبارة عن شقوق ضيقة تسمح بدخول الهواء وبعض النور، ومداخلها من الأسفل أحياناً، وانتشر بناء هذه القلاع في انكلترا في أثناء حكم الملك داوود الأول خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر ومن المعتقد أن هذا الطراز نموذج من فن العمارة العسكرية التي أدخلها المسلمون على القلاع البيزنطية في سورية.‏

لقد اهتم كثير من الملوك والأمراء في أوروبا بالفنون الإسلامية ومنهم الإمبراطور فريدريك الثاني حفيد روجر الثاني الذي أولى اهتمامه بالثقافة العربية حينما تولى حكم مملكة صقلية وبفضل الثقافة العربية صارت صقلية في عهده القطر الوحيد في إيطاليا بل في أوروبا كلها الذي وجدت فيه مبادئ إحياء التراث الكلاسيكي ونزعته العلمانية وأساليب البحث العلمي الحديث، وقد صارت هذه المبادئ فيما بعد من الدعائم الأساسية في النهضة الأوروبية، كذلك كان لهذه الظواهر الاجتماعية التي وجدت في صقلية أثرها ليس فقط في خلق النهضة الأوروبية بصفة عامة ولكن أيضاً في إحياء النهضة الفنية نفسها، ويمكن القول إن نيقولا بيزانو (أول رواد النهضة الأوروبية) قد استمد مبادئه الجديدة من صقلية التي كانت أرضاً خصبة لبعث هذه المبادئ بفضل ثقافتها ذات الطابع العربي، كذلك مارست اسبانيا دوراً أهم من صقلية في نقل العناصر الفنية الإسلامية إلى أوروبا، ففي إسبانيا ازدهرت الفنون الإسلامية ازدهاراً كبيراً تحت رعاية مسلمي الأندلس وكانت الثقافة الأندلسية العربية بمنزلة مركز إشعاع حضاري وثقافي وفني في أوروبا وكان العلماء والفنانون والصناع يذهبون إلى الأندلس ليغترفوا من علومها وفنونها العربية وكانت تحفها الفنية تجد لها سوقاً رائجة في أقطار أوروبا المختلفة ماساعد على تبادل التأثيرات الفنية الإسلامية.‏

لعل الخط العربي من أهم العناصر وأبرزها في مجال الفنون فقد سما به الفنان إلى أعلى درجات الإجادة وخصوصاً بعد أن عرف العرب صناعة الورق في أواخر القرن الأول الهجري ماجعلهم يطورون في شكل الخط وأنماطه حيث أصبح الفنانون العرب يستخدمونه بشكل كبير لايكاد يخلو منه أثر من الآثار العربية الإسلامية بسبب اهتمام الفنانين به من جهة وقابليته للتطور من جهة أخرى.‏

كذلك ساعد نقل السجاد الإسلامية والأنسجة الحريرية إلى أوروبا لتقديمها إلى الكنائس المسيحية، ولعل أشهرها «الكفن» الذي حمله المحارب اتين دوبلوا من بلاد الشام في القرن العاشر ثم تحول إلى كفن «دير القديس» سان جويس، إلى جانب نقل كثير من السجاد في أثناء الحرب.‏

فعبارة تتويج الملك روجر الثاني في فيينا اشتملت حافتها على كتابة عربية..‏

كذلك كان للعرب تأثير مهم في أجزاء كثيرة من أوروبا لم يحتلوها فنرى الفن والعمارة مطبقين في المباني والكنائس المسيحية على شكل تزيينات هذا بالإضافة إلى أن أكثر الأبنية أنشأها معماريون عرب، وأهمها ماكان في كاتالونيا حيث نرى المحارب والأقواس من الحديد، وحيث الأطناف محمولة على عوارض والنحت المطرز في تاج الأعمدة والفسيفساء التي تعلو قمريات الأبواب، ولقد كتب بريس دافين:«إنهم العرب الذين أعاروا الغرب الأبراج المنزلية والمشربيات التي أصبحت منذ نهاية القرن السادس عشر واسعة الانتشار في الغرب.‏

الكتاب: التلامس الحضاري الإسلامي- الأوروبي. - تأليف: د. إيناس حسني. صادر عن سلسلة عالم المعرفة- الكويت عدد آب في 295 صفحة بإضافة إلى ملحق صور.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية