كذلك كان الوجه الكالح للمعتدين وجه شيطان مكشر لتدمير الحياة في كل ما يتحرك.
وقال لقد كانت المواجهة من جانب مجزرة كتبت للمعتدين صفحات الخزي في سجل أسود مثل قلوبهم وكانت من جانب آخر شعلة متوهجة على دروب الوفاء والاقتحام وكانت حكاية المقاومة في أنبل صورها وأروع فصولها.
وأوضح أن تعبير المقاومة يحمل معنى متميزاً في قاموس اللغة العربية كما أنها مفردة إنسانية ملازمة لمفردة الظلم ، هي وجهها المقابل فحيثما وقع العسف والطغيان واجهه الرفض وأينما حل الاستبداد تصدى له بإباء وعنفوان.
لكن مفردة المقاومة في تاريخ العرب أكثر سطوعاً وأبهى مكانة وربما فاقت مدونات المقاومة في أدب العرب ما لدى الشعوب من مواقف التصدي والمواجهة.
وأضاف /مراد/: ولئن كانت أسلحة المقاومة متنوعة وفتاكة فإن المعبر الأفصح بياناً والأشد أثراً وخلوداً هو الشعر العربي والشعراء بحكم احساسهم الفطري من جانب وامتلاكهم قدرة التعبير الإنساني الشفاف من جانب آخر هم أو من يستشعر مكامن الخطر المحوق بالوطن ولهذا مثلوا نبض الأمة ومشعلها المضيء على طريق الأجيال وعلى جبهات الدفاع عن الحق والكرامة وكانوا فرسان الكلمة الحرة ، حملوا أمانتها وتحملوا مخاطرها في ظلام السجون حيناً وفي موكب الشهادة أحياناً وكم من شاعر قضى نحبه ثمناً للكلمة التي أطلقها لتبدد زيف الباطل وتعري افتراءات الطغيان وتلهب ثورة الجماهير لتحمل الغزاة على الرحيل.
لقد تقدم الشعراء المقاومون إلى مقصلة الجلاد وهم مؤمنون بالشهادة وبالتضحية جسراً للحرية والانتصار لأنه وكما قال /الحلي/:
لا يمتطي المجد من لم يركب الخطر ولا ينال العلا من قدم الحذرا
ومن أراد العلا عفوا بلا تعبٍ قضى ولم يقض من إدراكها وطراً
ويمضي المقاوم إلى الشهادة مرحباً بالموت بأنفة وكبرياء:
سأحمل روحي على راحتي
وأمضي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيض العدا
/عبد الرحيم محمود/
هكذا انطلق الشعراء في مواقفهم من احساس نبيل ورؤية صادقة للأحداث ولم يقفوا بمنأى عن مخططات التآمر والعدوان بل صاغوا رؤاهم محللين ومستشرفين آفاق المستقبل وأكدوا حتمية الانتصار.
توزعت مهمات الشعراء على عدة محاور فتصدوا للتنبه إلى مخططات العدوان والإنذار بالمخاطر المحدقة وإيقاظ الوعي بها وترك الغفلة وكان ذلك هو الهم الأول فهتف /ابراهيم اليازجي/:
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب
فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
الله أكبر ما هذا المنام فقد
شكاكم المهد واشتاقتكم الترب
وكانت مهمة الشعر المقاوم بعد الدعوة لليقظة التذكير بمجد الجدود والآباء وماضيهم بالمكارم والمآثر وما طبعت عليه نفس العربي من قيم العزة والأنفة والجرأة والإقدام وقد مثل /أبو فراس الحمداني/ بحق لسان الأمة وقلبها النابض وهو يهتف:
ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر
أعزّ بني الدنيا وأعلى ذوي العلا
وأكرم من فوق التراب ولا فخرُ
لقد ظل الشعر العربي سلاح الأمة في مواجهتها الصلبة وظلت المقاومة تجد فيه الحضن والملاذ وتابع الشعراء العرب مساندة المجاهدين في ميادين الشرق وحملوا الراية جيلاً بعد جيل ومسيرة بعد أخرى ومن المثير للإعجاب والدهشة أن جلّ هؤلاء الشعراء كان مستشرفاً بشكل أو بآخر لانتصارات الأمة ومتنبئاً بالأحداث الآتية فمن ذا ينكر أن /نزار قباني/ لم يكن معنا ونحن في معركة غزة في الأسابيع الأخيرة فراح يردد:
يا تلاميذ غزة علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا
علمونا بأن نكون رجالاً
فلدينا الرجال صاروا عجيناً
علمونا كيف الحجارة تغدو بين أيدي الأطفال ماساً سميناً
وختم / مراد/ نحن أمام عدو همجي متربص بنا وبأجيالنا القادمة متربص بالغدر وآلة الدمار الجهنمية ومستند إلى أنظمة استعمارية حاقدة تمده بالعدة والدم والمال وهو يترقب الفرصة لمعاودة الكرة فلا بد أن تكون يقظتنا دائمة واستنفارنا متواصلاً، لا بد أن يبقى نبض المقاومة متأججاً في الصدور وفعل المقاومة مستمراً بلا هوادة ودرساً نلقنه لأطفالنا في المهد ولفتياننا في المدارس ولشبابنا في ميادين الوطن لكل فرد في ساحات الوطن بأسره عملاً جدياً وتنظيماً وإعداداً اليوم لا غدا.. المعركة الفاصلة آتية لا ريب فيها ، نكون أو لا نكون.. ولن ينفعنا بعدها- لا قدر الله - أن نقول :
أكلت يوم أكل الثور الأبيض.. ولات ساعة !