خصصت على سبيل المثال المجلة الأسبوعية (جوش) الصادرة في نيويورك الكثير من أعدادها التي تطالب حكومات «إسرائيل» القيام بمسؤلياتها الأمنية لحماية اليهود في أنحاء العالم، وأشارت في سياق أعدادها إلى أن «إسرائيل» يجب ألا تصغي لاعتراضات بعض الدول التي تعارض مثل هذه الخطط لجعل أمن اليهود من مواطني تلك الدول وكأنهم جزء تحكمهم المعاهدات الدبلوماسية ما يعني أنهم وبموجب هذه المعاهدات جزء من أمن السفارات الإسرائيلية في الخارج التي يتوجب على «إسرائيل» حمايتها. ولعل من أسباب عدم هرولة يهود العالم للاستيطان في «إسرائيل» رغم مرور أكثر من ستين عاماً على ولادتها هو أن لدى هؤلاء اليهود ما يعزز الاعتقاد لديهم من أن الفكر الصهيوني يعتبر أن يهود «إسرائيل» يتفوقون في جميع النواحي على يهود الشتات وهذا أحد الأسس التي أوصلت بعض الكتاب اليهود المناهضين للصهيونية وهو الكاتب اليساري (يوري أفنيري) في كتابه «إسرائيل» بلا صهيونية للقول إن ما يسمى بالقومية اليهودية قد بني على أساس العداء للسامية، كما أن استاذ الدراسات الانجيلية في الجامعة العبرية بالقدس (حزقيال كاوفمان) يؤكد أن بعض الصهاينة يطلقون على اخوانهم في الشتات صفات بذيئة مثل الغجر والكلاب المسعورة وغير الإنسانيين والطفيليين ومن لا فائدة لهم والعبيد وغير ذلك في حين يقول كاتب يهودي آخر ويدعى (مايكل سيلزر) في كتابه إعادة النظر في الصهيونية إن هدف «إسرائيل» وضع يهود الشتات تحت وصايتها الصهيونية لاحباً بهم بل لكونهم وسيلة لغايات صهيونية مغايرة.
وقد أصبح الحديث عن ترجيح احتمالات قيام صراعات داخلية يهودية في صلب المواضيع التي تصنعها «إسرائيل» في دائرة الاهتمام ومثل هذا الحديث يظهر بوضوح عند كل منعطف للأحداث سواء التي تتسم بالعنف أو تلك التي تقتصر على الجوانب الثقافية أو الانفعالية بين اليهود والصهاينة كنوع من الحرب الكلامية وعلى سبيل المثال هذا الحديث، اتسع كثيراً في أعقاب حادثة إحراق معبد يهودي لأصحاب التيار المحافظ في القدس على أيدي مجموعة من الموالين للتيار الارثوذكسي عام 2002 إذا اعتبر الاعتداء على هذا المعبد هو الأخطر في سلسلة حوادث بين يهود ويهود حسب تعبير صحيفة ديلي تلغراف البريطانية التي قالت وقتها إن غالبية الإسرائيليين تعتقد أن التهديدات الأصولية الداخلية بين اليهود ستصبح عاجلاً أم أجلاً من درجة الخطورة التي تأتي من تهديدات العرب لإسرائيل.
لأن المخاوف تتصاعد ما أن ينتهي السلام بين العرب والإسرائيليين حتى يبدأ العنف على نطاق واسع بين الإسرائيليين أنفسهم ويستندون على ذلك بأن القوات الإسرائيلية تتدخل لحماية المستوطنين اليهود في اعتداءاتهم اليومية على الفلسطينيين وممتلكاتهم رغم كل الانتقادات التي وجهت لإسرائيل حيال ذلك في حين أن تلك القوات الإسرائيلية لم تتدخل في أكثر من مرة عندما هاجم اليهود الأرثوذكس مواقع اليهود المحافظين أي المعتدلين في المفهوم الإسرائيلي وقد جاء رد فعل اليهود الصهاينة والمناهضين للصهيونية شبيهاً بهذا من زاوية توقع أندلاع حرب أهلية يهودية عندما أدلى ايهود أولمرت رئيس وزراء «إسرائيل» في أيلول الماضي في اجتماع لمجلس الوزراء وبالحرف الواحد لقد انتهت «إسرائيل» الكبرى أي من الفرات إلى النيل اذ لم يعد هناك شيء من هذا القبيل وأياً كان الحديث عن هذا الشيء فإنه انما يخدع نفسه بنفسه وأضاف أن الحديث عن «إسرائيل» الكبرى اليوم لا يساعد «إسرائيل» بسبب تغير المجتمع الدولي من هذه الناحية والوقت اليوم ليس في مصلحة «إسرائيل» كما كان في السابق وبالطبع أثارت هذه التصريحات ردود أفعال غاضبة من الجانب الصهيوني الذي لم يخف أن هذه الأقوال لأولمرت قد تعزز احتمالات قيام حرب أهلية يهودية لأن الصهاينة أينما كان موقعهم داخل «إسرائيل» أم خارجها لم يتصوروا أن تصدر مثل هذه الأقوال وممن؟ من أكبر مسؤول صهيوني في «إسرائيل» الذي يجب على الجميع أن يؤمن بأن الصهيونية هي الايديولوجيا الرسمية والصهاينة هم دائماً الحكام المنوط بهم تنفيذ خططها.
ويرى إسرائيليون أن شرارة تلك الصراعات اليهودية اليهودية كان من الممكن أن تكون انطلاقتها في «إسرائيل» عندما تم تفجير قنبلة أمام منزل الاستاذ الجامعي اليهودي زئيف سيترنهيل المعروف بأفكاره المناهضة للصهيونية وقد أدى الانفجار إلى اصابته وبينما رفضت المنظمات الصهيونية المتطرفة الاتهامات بأنها وراء هذا الانفجار فإنها رفضت أيضاً أن تدينه.
لقد أصبح من الواضح جداً أن أحد أهداف «إسرائيل» رفضها للسلام مع العرب هو بطبيعة الحال تصدير مشكلاتها الداخلية للخارج من خلال افتعالها العدوان تلو العدوان والحرب تلو الحرب وتوسيعها للاستيطان كي تستقبل المزيد من قطعان يهود الشتات الذين بدورهم، ولاسيما من يهود أميركا وأوروبا، ما زالوا مترددين في القدوم لوطن ليس وطنهم ولأرض ليست بأرضهم، وبالتالي رفض «إسرائيل» للسلام كي تهرب من بوادر صراعات داخلية تنتظرها رغماً عنها طالما أن حالة التباين بين اليهودية والصهيونية تتزايد وتتسع دائرتها وهذا ما يخشاه حكام الكيان الصهيوني أياً كان انتماؤهم السياسي في انكشاف حقيقة هذا الفكر الصهيوني الاستعماري ومشروعه في المنطقة العربية القائم على العدوان والتوسع والسيطرة.