اردوغان صرح انه ضد سياسات الحكومة الاسرائيلية وليس ضد الشعب الاسرائيلي او اليهود في جميع ارجاء العالم. لقد كسبت تركيا عمقا استراتيجيا في الشرق الاوسط وخاصة بين العرب والايرانيين ونالت هذه المنزلة دون التلويح بحرب ضد اسرائيل . وسيستخدم اردوغان علاقاته في المنطقة للتأثير على حماس وتحقيق المصالحة الفلسطينية وتمهيد الطريق من اجل السلام.
وبالعودة الى الوراء، نتذكر انه قبل ايام قليلة من الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة،التقى رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت مع اردوغان في انقرة. وجاءت هذه الزيارة كمحاولة من اجل احداث تقدم في المحادثات السرية الجارية منذ عام بين سورية واسرائيل تحت رعاية تركية.
لعقود ماضية عمدت الحكومات التركية المتعاقبة على البقاء بعيدة عن الصراع الاسرائيلي العربي لاسباب عدة. لكن استلام حزب العدالة والتنمية للسلطة في 2002 ادى الى احداث تغير دراماتيكي في الموقف التقليدي التركي تجاه قضايا المنطقة. وقد رغب رئيس الوزراء بلعب دور الوساطة للتقريب بين سورية واسرائيل الامر الذي لم يقابل بترحيب شديد في البداية من جانب واشنطن.
واخيرا وبعد سلسلة من الاحداث بما فيها الحرب بين اسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان في 2006 قدمت تركيا مبادرة للتقريب بين موقفي كل من سورية واسرائيل بشأن عملية السلام، وكان الجانب التركي راضيا بالتقدم الجاري خلال هذه المحادثات وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية التركي علي باباجان مرات عدة في الصحافة.
وبرغم ذلك،فان حجم العملية العسكرية الاسرائيلية ضد غزة وسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين اضافة الى الصور المأساوية للنساء والاطفال الفلسطينيين والظروف البائسة التي يعيشونها اثارت غضباً شديداً لدى الاتراك. وكان اول رد فعل لاردوغان شعوره بخيبة الامل من قرار اولمرت ضرب غزة بعد ايام قليلة على لقائهما . وقد حاول السفير الاسرائيلي في انقرة غابي ليفي الايحاء بأن اولمرت يمكن ان يكون لمح الى اردوغان بامكانية ضرب غزة خلال لقائهما قبل العملية بايام. وطبعا من المستبعد تصديق ذلك . واذا ذهب المرء بعيدا في ذاكرته فانه سيتذكر ان لاردوغان تصريحات لاذعة ازاء عمليات اغتيال اسرائيل لقادة حماس. كما ان اردوغان نفى بشدة ان يكون طرفا في اية مؤامرة ضد غزة. وقد انتقد بشدة العدوان الإسرائيلي ووصفه بأنه نقطة سوداء في تاريخ البشرية. كما انه قد طرح مسألة عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة للتساؤل على خلفية ما قامت به إسرائيل في قطاع غزة.
هناك سبب اخر لاحتلال تركيا دورا قياديا مبكرا ، رغم تعرضها لانتقادات واسعة داخلية وخارجية ، في المشكلة بين حماس واسرائيل ذلك أنها باتت عضوا في مجلس الامن اعتبارا من مطلع هذا العام .
وحتى ولو لم يكن للاتراك أي علاقات عاطفية مع الفلسطينيين مصدرها التاريخ والدين المشترك ،فان على الاتراك العمل بسرعة من اجل المساعدة في استعادة السلام والاستقرار في المنطقة كما ينص ميثاق الامم المتحدة من الدول الاعضاء في مجلس الامن.
ولمزيد من التوضيح فان لتركيا علاقات وثيقة بكل اطراف النزاع في المنطقة على حد سواء وهذا يجب ان ينظر اليه على انه امر جيد خاصة في زمن الازمات عندما لا يوجد أي نوع من الاتصالات او أي نوع من الوساطة ما يؤدي الى سوء فهم نوايا الاخر بالتالي يتدهور الوضع اكثر.
وكان البرفسور احمد داود اوغلو - المستشار الاول لاردوغان لشؤون السياسة الخارجية الذي قيل بانه المسؤول عن زيارة زعيم حركة حماس في الخارج خالد مشعل الى انقرة في شباط 2006، تم ارساله مجددا الى المنطقة من اجل البحث عن طرق للتوصل الى ايقاف اطلاق النار. وتفيد التقارير ان داوود اغلو لعب دورا هاما في اقناع حماس بالخصوص في وقف اطلاق الصورايخ ضد المستوطنات الاسرائيلية الواقعة في شمال وشرق غزة من اجل الحلول دون جولة اخرى من القصف الاسرائيلي ضد غزة بعد ان اعلنت اسرائيل وقف عملياتها العسكرية ضد القطاع من جانب واحد.
ان درجة الغضب في الشارع التركي وحجم النقد لاسرائيل والذي تجلى في المسيرات الشعبية يشير الى ان العلاقات التركية الاسرائيلية قد تضررت. ويجب ان لا ننسى ان مسيرات اخرى من هذا النوع قد خرجت في عواصم اوروبية كثيرة بمشاركة مسلمين وعرب واوروبيين.
وشبه جيرالد كوفمان المشرع اليهودي البريطاني والعضو في حركة العمل اليهودية المقربة من رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون شبه العملية العسكرية الاسرائيلية في غزة بالعملية النازية التي اجبرت عائلته على الهروب من بولندا.
من الصعب تصور ان تركيا ستعاود علاقاتها مع اسرائيل بعد انتخاب حكومة اسرائيلية جديدة بنفس المستوى الذي كانت عليه قبل ما جرى في غزة، حيث كانت العلاقات بين الجانبين مزدهرة في عدة نواح خاصة الاقتصاد والامن .
-Bitterlemons-international -موقع بيترليمون
البرفسور بلنت اراس رئيس قسم العلاقات الدولية في جامعة ايسك اسطنبول