وتذكرنا الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة بتلك المقولة، وتبعث لدينا تشاؤمنا المقيت، إذ إن غولدا مائير لم تكن تعتقد بالسلام مع العرب، وكذلك غالبية الاسرائيليين لايعتقدون.
وقد اختارت اسرائيل الوقت المناسب لانطلاق حربها الأخيرة على غزة، حيث الحجة بإطلاق الصواريخ من غزة على جنوب إسرائيل جاهزة، وضغط الرأي العام على الحكومة يتزايد كلما اقترب موعد الانتخابات الإسرائيلية، ومن جهة أخرى، استغلت الحكومة الإسرائيلية نهاية فترة حكم الرئيس الأميركي بوش، وكذلك عطلة رأس السنة، التي من شأنها أن تلفت انتباه (الأسرة الدولية) عما سيجري في غزة... وأخيراً اعتقدت أن الحالة الجوية تساعدها في تسديد الضربات الجوية المستمرة.
ولم تعلن عن الأهداف الحقيقية لهذه الحرب، وتركتها غامضة، ولكن الفلسطينيين يرون في هذه الحرب كما غيرها (درساً لهم) ومنذ إنشائها تعتقد المنظمة الصهيونية أنها تمثل العدالة والتقدم والعقل أمام عرب (رعاع) بدائيين ويتميزون بالعنف وبالتالي ينبغي (إفهامهم) حقيقة الحلم الصهيوني ولاسيما عزمها على تحقيق هذا الحلم مهما كلف الثمن.
ودوماً، كانت إسرائيل تستهدف المدنيين من الفلسطينيين خلال حروبها ضدهم، أملاً أن ينقلب هذا الجمهور على زعمائهم ويحل مكانهم زعماء (أكثر اعتدالاً).
ولكن هذه السياسة لم تؤت ثمارها أبداً، وفشلت في غزة، هذه المرة أيضاً.
وعندما أحكمت حماس سيطرتها على قطاع غزة في عام 2007، فرضت إسرائيل حصاراً ودفعت بمليون ونصف المليون فلسطيني إلى حافة الهاوية، وقضت على أي أمل بحياة كريمة للجيل الغزاوي، الأمر الذي أدى إلى تقوية ساعد حماس أكثر، ومزيد من الالتفاف حولها، ولاتعتبر حماس، كما تزعم إسرائيل ومعها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة (إرهابية)، بل هي حركة وطنية دينية (أصيلة) يدعمها معظم أهالي غزة، ولم تفلح إسرائيل بالقضاء عليها واجتثاثها من خلال قصف مواقعها، ورغم الخسائر البشرية المروعة، ومنها مقتل عائلات برمتها والمئات من الأطفال،رفضت حماس الاستسلام، وولدت الأسطورة البطولية للمقاومة، واستطاعت حماس امتلاك مقومات ما تدعوه اسرائيل (أساطير إسرائيلية) كالمواجهة بين أعداد صغيرة وأعداد كبيرة والانتصار على الأخيرة.
وأسطورة القوي والضعيف وأسطورة دافيد وغوليان، وفي غزة تكلم دافيد اللغة العربية.
وجاءت هذه الحرب بأعداد ضخمة من الصحفيين إلى المنطقة، وتساءل العديد منهم لماذا لايتفق الطرفان على تقاسم هذه الأرض؟، وفي حين يؤكد القادة الاسرائيليون تأييدهم للحل القائم على أساس إنشاء دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، وكذلك يؤيدها القادة الفلسطينيون، ماعدا حماس، ولم يتبق من أجل هذه الغاية سوى الاتفاق على التفاصيل، إلا أن المعضلة لازالت وللأسف تتعقد، ولاسيما في ظل ازدياد التطرف لدى المستوطنين الاسرائيليين، ولم يعد يقتصر الصراع على الأرض والمياه والاعتراف المتبادل،بل تعداه إلى الهوية الوطنية لتلك الأرض.
والحرب الأخيرة ستحتفظ بها الذاكرة ضمن سباق المراحل المأساوية التي مر بها الصراع العربي - الاسرائيلي. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد فكرت، عقب حرب عام 1967 بنقل آلاف الفلسطينيين من غزة إلى الضفة الغربية، إلا أن هذا المشروع بقي طي الإدراج لأن أعضاء الحكومة الأكثر نفوذاً آنذاك، ولاسيما منهم مناحيم بيغن وموشي دايان فضلوا الاحتفاظ بالضفة الغربية لإقامة المستوطنات وإسكان اليهود فيها، بسبب سياسة الاستيطان تلك، ولأنه يستوطن /300/ ألف يهودي من الضفة الغربية و /200/ ألف منهم في الأحياء العربية في القدس بات شبه مستحيل ترسيم حدود معروفة لإسرائيل وإقامة السلام.
وهكذا وبينما يدور جدل لدى العديد من الاسرائيليين والاوروبيين حول المسؤولية في هذا الصراع، لايعتقد العديد من الاسرائيليين بالسلام وهم يعرفون أنه ودون سلام لايمكن استمرار اسرائيل، فيما يفقدون تفاؤلهم من حرب إلى أخرى، كحالي أنا، الذي أنتمي إلى جيل تغذى على أمل السلام، حيث ومع نهاية الحرب عام 1967، وكنت أبلغ من العمر حينذاك /23/ عاماً، لم أكن أشك أبداً أن الحرب سوف تنتهي بين العرب والاسرائيليين بعد أربعين عاماً، ولكنني الآن لا أعتقد بوجود حل لهذا الصراع وقد تباعدت المواقف كثيراً بين الطرفين.
بالمقابل، أعتقد بقيادة هذا الصراع بشكل أفضل، وتتضمن حتى المفاوضات مع حماس، وإن أبدت الحكومات الاسرائيلية عدم رغبتها بالتباحث مع منظمات تصفها إرهابية إلا أنها في النهاية تباحثت معهم، وقد خضنا هذه التجربة، إذ ولسنين خلت، رفضت اسرائيل التحاور مع منظمة التحرير الفلسطينية، وقد قامت اسرائيل باعتقال ناشطي سلام اسرائيليين لأنهم التقوا مع المنظمة، وأخيراً وفي عام 1993 تصافح كل من عرفات ورابين وبيريز في واشنطن، في حديقة البيت الأبيض.
إن الإسرائيليين ينتظرون الكثير من إدارة الرئيس باراك أوباما الجديدة، والذي ادعى أنه صديق لإسرائيل، ويمكن أن تكون تلك الإدارة أكثر جدوى من سابقاتها فيما لوسعت إلى تحقيق هدف بسيط، ولكنه ملح وهو جعل الحياة ممكنه الاحتمال بالنسبة للفلسطينيين والاسرائيليين.