وبالطبع فإن هذا التوجه ليس متعذر التفسير، لأن اسرائيل بالأساس مجتمع عسكري، قام على اغتصاب الأرض وارتكاب المجازر والجرائم ولايستمر ككيان ارهابي إلا على هذا الأساس، وبذلك يرى الاسرائيليون أن الدم الفلسطيني، وحده الذي يضمن لهم الأمن والأمان، ويحمي وجودهم الاستثنائي في منطقة تلفظهم وتنبذهم بالأساس، بحكم الطبيعة العنصرية التي وحدها باتت تشكل هوية كيانهم ووظيفته ودوره في المنطقة.
لذلك، ليس غريباً أن يصعد على هذا النحو الخطير، ويخترق الصفوف في ظل تهديدات تستهدف إبادة شعب فلسطين، شخصية مثل أفيغدور ليبرمان رئيس حزب «اسرائيل بيتنا» وهو المعروف بنازيته وفاشيته وتعطشه لسفك المزيد من الدم الفلسطيني، أو على الأقل تنفيذ الخطة الاسرائيلية المتجددة على الدوام بطرد الفلسطينيين من أراضيهم في عام 1948، وهو مايعرف بالترانسفير، أي التهجير والتشريد والترحيل، فلقد أعطت استطلاعات الرأي «اسرائيل بيتنا» حصوله على 18 مقعداً في الكنيست أي بزيادة 8 مقاعد عما كان يحتله قبل إجراء انتخابات العاشر من شباط الحالي، وليكون بذلك الحزب الثالث في المجتمع الإرهابي العسكري الاحتلالي الاسرائيلي بعد الليكود وكاديما، متقدماً في ذلك على حزب العمل الذي يترأسه وزير الحرب الاسرائيلي ايهود باراك. وليبرمان شخصية عنصرية في العمق ضد العرب وضد كل منتقدي اسرائيل، ويرفض بالقطع منح هؤلاء العرب أي حق من حقوقهم البشرية والإنسانية، ناهيك عن حقوقهم السياسية والقانونية، ويريد اسرائيل خالية تماماً من العنصر العربي بحيث لايتورع عن تكرار مقولته بالتطهير العرقي للعرب، إلى حد أنه عندما سئل خلال العدوان الوحشي على غزة ولم يستطع الجيش الاسرائيلي تحقيق هدفه بالقضاء على المقاومة الفلسطينية ووقف الصواريخ على المدن والبلدات والمستعمرات الاسرائيلية في النقب وجنوب اسرائيل، عما يمكن فعله لتحقيق هدف أو أهداف اسرائيل من وراء عدوانها على غزة، أجاب بكل وقاحة: علينا أن نفعل كما فعل الأميركيون حيال اليابانيين في الحرب العالمية الثانية !!..أي اللجوء إلى القنابل النووية، على غرار هيروشيما وناغازاكي لإبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وفي هذه الأثناء كان ليبرمان قد تقدم إلى المحاكم الاسرائيلية بادعاء يطلب فيه عدم السماح لأحزاب عربية فلسطينية في أراضي عام 1948 للترشح إلى الانتخابات وحظر كافة أنشطتها وفعالياتها السياسية والانتخابية في الوسط العربي، وكان يظهر ليبرمان على شاشات التلفزيون محرضاً على العرب، ومواكباً جلسات هذه المحاكم بدوافع عنصرية وفاشية.
وإذا كان قد فشل في انتزاع قرار قضائي اسرائيلي ضد هذه الأحزاب، إلا أنه لم ولن يكف عن تهديداته، وادعاءاته التي باتت مملة لطرد العرب الفلسطينيين من أراضيهم وترحيلهم بشاحنات إلى أماكن يحققون فيها أمانيهم بإقامة دولة، أو ممارسة مايريدون، لكن بعيداً وبعيداً عن الاسرائيليين.
بالنتيجة، نحن أمام ظاهرة خطيرة اسمها ظاهرة ليبرمان في اسرائيل، ينبغي دراستها بدقة ومن كل الجوانب النفسية والسياسية والشخصانية والإحاطة بكل جوانبها التربوية والفكرية والاجتماعية، لأنه يعنينا كعرب وضع هذه الشخصية المنفلتة من التاريخ والراهن، ومن الزمن والواقع، وحتى الجغرافيا والسياسة إلى الخراب والتدمير وإلى الحرائق والفتن والقتل وشهوة الدم، ونزعة الإجرام والحقد حيال كل ماهو عربي، أو قريب من هذا العربي، ولاسيما الفلسطيني حين يدافع عن حقه، ويطلب الموت من أجل الحياة، بالمقاومة والتحدي والمواجهة.
إذاً هو صراع آخذ في الاشتداد والتصاعد، وليس ليبرمان سوى واحد من تجليات ومظاهر هذا الصراع بين الحق العربي والباطل الصهيوني، بين حقيقة التاريخ وجوهره، والادعاءات المزيفة والأضاليل التي ينسجها الصهاينة حيال هذا التاريخ ووقائعه ومساراته.
إن ليبرمان وفي كل مايطلقه من تهديدات وتصريحات، لايمكن أن يوقف الزمن أو يكسر هذا الزمن لمصلحة الاحتلال والاغتصاب لأن مقاومة شعبنا للاحتلال قد أثبتت أنه لاحل مع كل هؤلاء الارهابيين والفاشيين إلا بالقوة، فهي وحدها الطريق إلى تحرير الأرض واستعادة الحقوق.