أي بعبارة كيف استغلت الولايات المتحدة اعتداءات 11 أيلول كذريعة من أجل إطلاق برنامج الدولة في اللجوء المنهجي للتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان تحت ستار مكافحة الإرهاب .
كيف تحولت الولايات المتحدة , بمقتضى القانون الوطني Patriot Act , الذي شكل غطاء شرعياً لتلك الممارسات إلى دولة إرهابية , تستحق أن تمثل أمام محكمة العدل الدولية , وأن يُحاكم مسؤوليها بما فيهم الرئيس وأعضاء وكالة الاستخبارات . كما كان سيجري مع أي دولة في العالم . ولكن تعلم الولايات المتحدة أن ما من أحد سيحاسبها , ولذلك لعبت بهذه اللعبة المهزلة من الديمقراطية الشفافة , في ذروة السخرية .
لا شك أن أي شخص يمكن أن يثير إعجابه العقلية التجارية الأميركية , التي لا تفوت فرصة الامتاع والتشويق : الاستعانة بمصادر خارجية في التعذيب . وبشكل أدق , تفويض اثنين من علماء النفس , كانوا قد أسسوا شركتين خاصتين , انتهاج خطة تعذيب فعالة لانتزاع اعتراف المتهمين المفترضين . والواضح أن أسماءهم جرى إزالتها . فقط نعرف أن ليس لديهم أي خبرة في الاستجواب, فقط يعملون مع الجيش في صراع للبقاء وسط بيئة معادية . ولهذا السبب يتقاضون الملايين من الدولارات , على سبيل المثال تقاضوا 180 مليون دولار في عام 2006 .
وبهدف استمرار العمل في الخطة المالية , كلف هذا البرنامج الخاص بوكالة الاستخبارات الأميركية , والذي استمر العمل فيه بشكل رسمي منذ عام 2001 حتى أواخر عام 2009 حوالي 300 مليون دولار دفعها المواطن الأميركي دافع الضرائب . هذا دون حساب الأضرار الجانبية . ومن جهة أخرى , وكما أشار التقرير , فإن المعلومات التي تم الحصول عليها من المتهمين لم تكن ذات أهمية لاتخاذ إجراءات فعالة في مكافحة الإرهاب . أي باختصار , خطة كانت مكلفة وغير فعالة . الأمر الذي أدت فيه بشكل ظاهر إلى خلل في الفكر التجاري لدى هؤلاء الأشخاص ويبدو أنها كانت أحد الدوافع في إثارة غضب مجلس الشيوخ , أي ليس التعذيب بحد ذاته .
لأنه من الناحية الأخلاقية يبدو أنها لم تؤد إلى تعكير صفو الأمور , بعض الغضب وحسب , حيث جرى التعبير عنه وتصويره , ومن جانبه أكد وزير العدل الأميركي أنه لا يجد أي أساس لملاحقة أي كان لأن الجميع تصرف ضمن إطار القانون الوطني الذي جرى تبنيه منذ إدارة جورج بوش الابن, القانون الفضفاض في تفسيره . ووكالة الاستخبارات , من جهتها تقول أنها لم تفعل إلا ما يمليه عليها واجبها . فيما يبدو أن موقع الرئاسة في وضع حرج الآن , ولكن ليس في نيتها القيام بأي فعل , وبالتالي تبقى السي أي إيه ذات فائدة .
من ناحية أخرى , بقي المجتمع الدولي ما عدا ما يمكن أن تطالب به بعض الجمعيات باتخاذ اجراءات قانونية , أو أن يعرض بعض المؤدين أمام المحكمة كوجبة دسمة لوسائل الإعلام مسالماً بشكل مقيت حيال هذه الانتهاكات . فالصحافة الفرنسية , على سبيل المثال , وصفت هذا التقرير بأنه عمل شجاع وديمقراطي وشفاف . وهنأ الاتحاد الأوروبي واشنطن على شجاعتها . لم يسع أي شخص إلى مناقشته في أساسه : بالطبع سيجد الفظائع , ولكن سيعرض الذرائع وأهمها : لا بد للأميركيين من تجاوز آلام الحادي عشر من أيلول وأن يخرجوا منها أقوياء . ولا يهم الضحايا . بالتأكيد هناك إيران وروسيا أدانتا هذه الأفعال الوحشية ونسبتها إلى نظام الإدارة وليس فقط إلى ثغرة لحظية .
الدول الأوروبية , بالطبع متورطة بالقضية عبر سجونها السرية التي أقامتها الوكالة الأميركية فوق أراضيها . وقد بدأت ليتوانيا بالقلق , لم تتلق أي مساعدة , حتى لو كانت قضائية من الولايات المتحدة مقابل تجريمها في التقرير وخوفاً من إرغامها على دفع تعويضات لعائلات الضحايا . وقد أثار صدمتها الإشارة إليها في التقرير بصفة دولة لها علاقة مع السي أي إيه في عملية الاستجواب القاسي والتعذيب . وبولونيا من جانبها , وجدت سرها المفضوح أصبح أمام الشاشة , تلك الدولة الديمقراطية العظمى , التي كانت نموذجاً في التحول نحو الغرب . وتحولت إلى دولة تحت الهيمنة الأميركية . وقد بنت استثماراتها في إطار البنى الديمقراطية حسب الإرادة الأميركية , وحان الوقت من أجل دفع جزء من الفاتورة . وهذا ليس كل شيء , لأنه في الواقع , من المقرر أن تستقبل أوكرانيا سجناء ( خاصين) قادمين من الولايات المتحدة .
ولنكن واضحين , إن الولايات المتحدة لن تدفع الفواتير , من سيدفع هي الدول المتعاونة معها وهي الأكثر تأثراً نظراً لأنها الأضعف . سمعتها سوف تتدهور ولكن بشكل أقل من تدهور سمعة الولايات المتحدة , إنما ولأنها الحلقة الأضعف في السلسلة الغذائية , فإنها ستكون في الخطوط الأولى .
ولا أحد يمكنه إنشاء محكمة من أجل محاكمة الولايات المتحدة عن جرائمها التي اقترفتها , نظراً لأن واشنطن لم تعترف بصلاحيات محكمة الجزاء الدولية . وكذلك لا يمكن محاكمتها عن جرائمها بحق حقوق الإنسان أمام أي هيئة دولية , نظراً لأن من يعترف بتلك الهيئة هم حلفاء متورطين مع الولايات المتحدة .
وهذا يعني أن واشنطن تستفيد من نوع من الحصانة . الأمر الذي سمح لهم المفاخرة عبر نشر بضع مئات من الصفحات حول ما يقارب 700 حالة أزيلت منها أسماء أشخاص وأماكن . صفحات لم يُنشر فيها سوى ما هو معروف , والبقية لا ينبغي نشره .