لكن ما إن بدأت الضربات الجوية الاميركية تأخذ مسارها في العراق حتى عمدت داعش إلى قطع رؤوس الرهائن الأميركيين والبريطانيين، وعندما استهدفت عمليات القصف مواقع لهم في سورية أخذ هذا التنظيم يدعو أنصاره إلى شن الهجمات على الغربيين أينما كانوا وبشتى الوسائل التي تهدف إلى قتلهم فرادى أو مجتمعين حتى لو تم باللجوء إلى تسميمهم أو تفخيخ سياراتهم ومن ثم تفجيرها في أماكن مكتظة بهم.
من المؤسف أن يأخذ المتطرفون بذلك التوجيه ويعتبرونه منهجا لهم لتنفيذه في الغرب أو على نطاق واسع في مناطق الشرق الأوسط الأمر الذي أهاب بالسفارتين الكندية والبريطانية في العاصمة المصرية القاهرة إلى إغلاق أبوابها مدة يومين إزاء التهديدات المجهولة التي وصلت إليهما. وفي شهر تشرين الثاني أصيب دنماركي في كتفه عندما كان يغادر عمله في العاصمة السعودية الرياض وتم ذلك بهجوم من قبل مناصري داعش في السعودية تم توثيقه بالصور.
ما يثير الدهشة والاستغراب أيضا بشكل يفوق ما حدث من هجمات ورد ذكرها آنفا، ما جرى في 1 كانون الثاني في عاصمة الإمارات العربية المتحدة، أبو ظبي، عندما قامت امرأة بطعن وقتل مدرسة اميركية تدعى إيبوليا رايان داخل حمامات أحد مراكز التسوق. ولجوء أحدهم إلى زرع قنبلة بدائية الصنع على باب طبيب أميركي. ومما يجدر ذكره اقتراح منتدى الجهاديين استهداف المدرسين والمدارس في المناطق باعتبارهم أهدافا مرغوبا بها.
وبذلك نشهد اليوم عودة العنف المناهض للغرب إلى أماكن بدت آمنة لأمد طويل حيث سبق وأن شهدنا في مصر استهدافاً للزوار عدة مرات، حيث نجد أنه في عام 1997 قام مسلح في الأقصر بقتل 62 شخصا وسقطت قذائف على فندق سياحي في سيناء عامي 2004-2005. لكن بعد ما يسمى بـ«الربيع العربي» وعودة الحكم العسكري قبل عام واستقرار الأوضاع بدأ السياح بالتوافد على الشواطئ والمواقع الأثرية. وفي المملكة العربية السعودية وبعد سلسلة تفجيرات قام بها تنظيم القاعدة انتهت تلك الهجمات في عام 2005 عاد رجال الأعمال وعمال النفط إلى حياتهم العادية. وطالما بدت الإمارات العربية المتحدة واحة سلام حيث يمثل 90% من سكانها البالغ عددهم 9,3 ملايين من الأجانب منهم عشرات الآلاف من البريطانيين.
على الرغم من قلة وندرة الهجمات التي تحدث في الغرب لكنها أخذت بالتزايد يوما إثر يوم ففي 23 تشرين أول قام راديكالي بضرب اثنين من عناصر الشرطة في نيويورك بفأس وحدث ذلك بعد يوم واحد من قيام شخص في العاصمة الكندية أوتاوا بإطلاق الرصاص في إحدى الاحتفاليات ثم ركض باتجاه البرلمان حيث تم إطلاق النار عليه وقتله.
بدت تلك الهجمات وكأنها عمل منفرد، وأطلق على منفذيها اسم «الذئاب المفردة» بدلا من مجموعات منظمة. لكن ثمة مجموعات متطرفة تابعة للدولة الإسلامية تستطيع الحكومات رصدها مثل «المجموعة الجزائرية» التي قامت بقطع رأس سائحة فرنسية في شهر أيلول ومجموعة أخرى تطلق على نفسها اسم «بيت المقدس» تلك المجموعة المصرية التي أعادت تسمية مجموعتها باسم «مقر الخلافة الإسلامية» في سيناء. ولا شك أن الأشخاص الذين يتصرفون بشكل منفرد في أماكن مغلقة يصعب كشفهم أو التعرف عليهم حيث بإمكانهم الحصول على ما يبغونه من معلومات وأفكار عبر الانترنت بدلا من التواصل مع أي منظمة من المنظمات.
يعاني أهالي المناطق التي تتعرض لهجمات داعش الكثير من الهواجس والرعب، وخاصة الأقليات منهم، وذلك جراء العنف المفرط الذي يمارسه ما يسمى بالمجاهدين الذين لم يسلم منهم أحد، حيث قتل المئات في كل من سورية والعراق. كما قام مناصرو داعش بقتل ثمانية مواطنين سعوديين في الشهر الماضي. وفضلا عن ذلك عمدت مجموعة «أنصار بيت المقدس» إلى قتل جنود مصريين في تفجيرات جرت خلال العام الماضي.
لاريب بأن هذا التوجه الجديد في العنف الجهادي لأمر مثير للمخاوف والرهبة ففي حين تسعى القاعدة إلى التخطيط لتنفيذ هجمات ضد الغرب. يعمد أعضاء الدولة الإسلامية والمناصرين لها إلى ممارسة العنف بشكل ضيق ومنفرد بحيث يصعب على الدول كشفهم أو التعرف عليهم كما اتضح من الأحداث التي سبق ذكرها.