تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


البحــــث عـــــن حجــــــر أخضـــــر فـــــي الكتابــــــة..

ثقافة
الثلاثاء 16-12-2014
مصطفى علوش

قال الشاعر نزار قباني ذات يوم في قصيدة له بعنوان «امرأة غير ملتزمة»:

اقلبي الصفحة يا سيدتي‏

علّني أعثر في أوراق عينيك‏

على نصّ جديد‏

إن مأساة حياتي، ربما‏

هي أنّي دائماً، أبحث عن نصّ جديد‏

ونحن القراء الذين ابتلينا بأجمل بلوى وهي القراءة نبحث دائماً عن نصّ جديد، يبقى في الذاكرة، يبقى يحركنا، يدفعنا لتحمل مختلف الظروف الحياتية، نصّ قصصي أو روائي أو شعري أو فلسفي يعيد إلينا بعض ما نخسره وجودياً في رحلة هذا العمر المليء بالخسارات، فحدث مرة أن جعلنا الشاعر محمود درويش نعيد ترتيب أوراق علاقتنا بمفهوم الحبّ ونحن نقرأ قصيدته «انتظرها»، ولعله أراد عبر قصائده أن يوسع مساحة الجمال والخير في هذا العالم الضيق جداً كثقب إبرة.‏

فيما مضى من العمر ترك لنا «نيكوس كازنتزاكي» أجمل ما يمكن أن يكتبه كاتب، من خلال مذكراته التي فاض بها بكل ما في جعبته من محبة ومعرفة وبوح وفلسفة وحوار، كازنتزاكي العاشق، العارف بأسرار الحبر والكتابة والذي عاش باحثاً دائماً عن نوافذ للضوء كان يعرف قيمة ما كتبه.‏

هاهو يتحدث عن الجوهر: «كان للجوهر أسماء عدّة: كان يظل يغير أقنعته طالما نحن نتابعه، أحياناً كنا نسميه الأمل وأحياناً اليأس الأسمى، أحياناً ذروة الروح البشرية وأحياناً سرب صحراء، أحياناً الطائر الأزرق والحرية وأحياناً، أخيراً كان يبدو لنا مثل دائرة مغلقة، القلب البشري مركزها والخلود محيطها، دائرة أطلقنا عليها اعتباطاً اسماً ثقيلاً محملاً بآمال العالم ودموعه كلها: «الله»،».‏

ويخبرنا كازنتزاكي العظيم أنه في البدء لم تكن الكلمة إنما النار، وفي النهاية هناك النار وما الحياة إلا رحلة بين نارين.‏

في لغة كازنتزاكي الكثير من المعرفة الخاصة بالروح البشرية، حيث يزرع الحلم في نفس القارئ في كل جملة في كل فقرة، ومهما مرّ الزمن نعود لمذكراته لنقرأ منها ما بقي في ذاكرتنا من جديد.‏

قبل كازنتزاكي ومعه وبعده هناك الحياة وما تتركه لنا حكاياتها اليومية وقصصها ومآسيها التي لا تنتهي، الحياة التي تعلّم جميع الناس كيف يمكن أن نتعلم من زقزقة عصفور ورحيل طائر وهجرته.‏

ويمضي العمر ولعل الولع بالحياة الذي مثله زوربا، والولع بالكتابة الذي مثله كازنتزاكي، هما من أجمل ما يمكن أن نقرأه ونعرفه.‏

ونحن هنا على هذه الأرض، وفي هذا البلد، يوجد لدينا الكثير من الأساطير التي لم تكتب بعد ولم تدّون، وهناك الكثير من القصص والروايات والوقائع والحكايات التي تنتظر الكتابة، وكما تشرق الشمس كل صباح، هناك كتابات جديدة ننتظرها بفارغ الصبر تقدمها أقلام تعلمت من فضاء الحياة أنه لاحدود للكتابة ولا أبواب، الكتابة التي تبقى في الذاكرة هي التي نكتبها على دفاترنا الشخصية من جديد ونحن نقرؤها، وبين النص والحياة هناك الحبل السري للبقاء والخلود للنصوص التي تستحق.‏

وذات مرة كتب نزار قباني:‏

اسكتي يا شهرزاد‏

اسكتي يا شهرزاد‏

أنت في واد وأحزاني بواد‏

فالذي يبحث عن قصة حبّ‏

غير من يبحث عن موطنه تحت الرماد‏

أنت ما ضيّعت شيئاً كثيراً‏

وأنا ضيّعت تاريخاً وأهلاً وبلاداً‏

ونعرف أيضاً أن هذي البلاد النازفة، بلادي ستطلق جناحيها للريح وتحلّق من خلال إبداعات أبنائها أينما كانوا في فضاء هذا العالم، ففي كل زاوية حكاية وتحت كل ورقة خريف عشب أخضر لحياة جديدة، يشبه تماماً ذلك الحجر الأخضر الذي وجده زوربا ولم يذهب لرؤيته كازنتزاكي.‏

M3alouche@hotmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية