تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رأي :الهجرة إلى عالم الخيال الأبيض..فضـــــــــــاء المعلومـــــــــــــات الرحيــــــــــب..!

ثقافة
الأحد 3-11-2019
عبد المعين زيتون

هل أصبح الإنترنيت يصنع عالمنا الجديد؟ أم أن سيل المعلومات الجارف هو الذي أخذ يطيح بقيم الأمم والمجتمعات البشرية، وينسف أعرافها وتقاليدها، ويستبدلها بحالة كونية جديدة؟!أم أننا بالفعل، أصبحنا وجها لوجه أمام إرهاصات مايمكن أن نسميه (القرية الكونية الجديدة)؟.. كل هذا بفضل المعلومات التي أصبحت أساس كل الأشياء في حياتنا..

‏‏

ولايكاد ينتهي الحديث عن المعلومات وأهميتها الآن في عصر صار اسمه (عصر المعلومات), فالمعلومات اليوم أصبحت الأساس في صناعة الحياة, كل أشكال الحياة, الخاصة والعامة للمجتمعات الإنسانية, بالنظر إلى توظيفاتها ودورها في حياة الناس وشؤونهم، حتى أنها غدت صناعة، لها مؤسساتها التي تشتغل عليها, وتشتغل فيها، حتى بدا الأمر أشبه (بالتكننة), وهو مايعرف اليوم بتكنولوجيا المعلومات.‏‏

المعلومات والصناعة الثقافية‏‏

لا يختلف اثنان الآن، أن المعلومات أصبحت من أهم أدوات الصناعة الثقافية, لأنها المقوم الأكبر للبنى التحتية للثقافة والمعرفة والعلوم.‏‏

ويقصد بالبنى التحتية هنا, موارد المعلومات الثقافية, وتمثل تكنولوجيا المعلومات، الأساس الحي في معظم التكنولوجيات الثقافية، من تكنولوجيا التعليم، إلى تكنولوجيا الإعلام، وتكنولوجيا هندسة اللغات (معالجة اللغة ٱليا بواسطة الكمبيوتر), وتكنولوجيا الفنون, وتكنولوجيا صيانة ومعالجة التراث, وغيرها..‏‏

إن الثقافة اليوم, لم تعد من خصوصيات الطبقة الأكاديمية في المجتمع, بل أصبحت الشغل الشاغل والأساسي للجميع، لاسيما بعد اتضاح أولوياتها في عمليات التنمية.‏‏

لقد تاهت إشكالية الثقافة في فكر القرن العشرين (وفق رؤية العديد من الباحثين والمفكرين), فكان عمق التخصص الضيق, سمة عامة للقرن الماضي، فقرر مفكروه الانسحاب من الأسئلة العامة التي عادة ماتكون ملحة..‏‏

لكن ذات الأسئلة بقيت وعادت بصورة أقوى من جديد بفعل المتغير المعلوماتي. هذا المتغير الذي راح يطرح معظم القضايا الثقافية والاجتماعية.‏‏

إن التنظير الثقافي أو علم الثقافة, هو كل علوم المعرفة بفروعها المختلفة, وعلم الثقافة لم يعد يستسيغ الفصل بين ثقافة النخبة وثقافة العامة, بل إنه يتجه نحو دراسة الثقافة وهي تعمل بحركية عالية, وتتصل بجميع الهياكل المجتمعية القائمة والممارسات الفعلية القائمة داخل المجتمع, ولعله من المهم الإشارة هنا, الى أن ليس للتنظير الثقافي القدرة على المواجهة المجتمعية الواسعة، من دون السند المعلوماتي المتين, سند قوي يأتي على هيئة خرائط ثقافية، ومسوحات إحصائية، وقواعد بيانات، تسهم في تسجيل ظواهر الواقع الاجتماعي والخصائص الثقافية للفئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع, سواء أكانت هذه الفئات نخبوية أو عامة.‏‏

وتأتي العولمة هنا لتزيد الطين بلة!لأنها تضيف خواص جديدة تستوجب المزيد من المعلومات التي تعنى بالدراسات الثقافية المقارنة, نظرا لأهميتها الحيوية في الجوانب المتعلقة بحوار الثقافات, أو تصادمها أو امتزاجها.‏‏

والسؤال الذي يقفز إلى هذا المشهد - بصرف النظر عن طبيعته - عن العقل العربي في هذه المعمعة الكونية إذا صح التعببر:‏‏

ترى هل العقل العربي المعاصر يملك العدة المعرفية الضرورية والكافية لمواجهة عصر المعلومات وتعقيداته؟..‏‏

إن ما يزيد مشهدنا العربي مرارة, أن تعقيدات معظم ظواهرنا الاجتماعية هي تعقيدات ضارية وشرسة, فهي ليست كتلك التعقيدات الكائنة في المجتمعات المتقدمة, ففي تلك المجتمعات تتوفر الكثير من الوسائل والأدوات والآليات التي تسهل تفكيك ومحاصرة أي ظاهرة اجتماعية قد تظهر, وذلك من خلال نظم مرنة وتشريعات وٱليات قياس ومؤشرات الرأي, وتقييم نتائج القرارات المعنية بتوجيه الموارد الاجتماعية.‏‏

فأين مجتمعاتنا العربية من هذا الحال الذي يستأنس الحلول السريعة لامتصاص الظواهر المعقدة الطارئة, أو غير الطارئة؟‏‏

إن تعقيداتنا الاجتماعية في أحسن أحوالها, تشبه إلى حد بعيد, عجينة غريبة لخليط من التراكمات والعشوائيات وتشتت الاتجاهات وتضارب الأفكار المتصارعة أصلا.‏‏

وما أكثر الحالات التي بقيت فيها تعقيداتنا الاجتماعية معلقة دون حسم، لابل وبقيت جاثمة على البنى المعرفية والنظم الاجتماعية القائمة لدينا؟‏‏

ومرة أخرى نجد أنفسنا, ونحن نؤوب إلى تكنولوجيا المعلومات بحثا عن مخرج, لأنه من الصحيح لا بل والأكيد, أنه لن يفل خبث التعقيد إلا فيض المعلومات التي تعمل على تفكيكه وتفتيته وإذابته.‏‏

لقد أصبحت مواجهة التعقيدات الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية, واجبا أساسيا للفكر الثقافي العربي, وإنه من أخطر خياراتنا أن نسلم أقدارنا للأقوياء, خاصة وأن القوى الثقافية من طبيعتها أنها هي التي تتبنى الشرائح الاجتماعية الأضعف, لكنها الأبسط أيضا..‏‏

وعلى المثقفين العرب أن يتصدوا بأمانة ومسؤولية لهذا الواجب الأخلاقي فهم الحامل الآمن للقرار الفاعل في تفكيك وحلحلة كل تعقيداتنا الثقافية, وحمل مجتمعاتهم نحو الأفضل.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية