الآن أعطيت الأولوية لمكافحة الفساد بسبب الظروف الاقتصادية التي نعيشها، ولأن جزءاً من هذا الخزان الذي هو الدولة كان مثقوباً ثقوباً كثيرة، وبالتالي أي واردات تأتي إليه تذهب فلا نستفيد منها، هذا ما أكده السيد الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع قناتي السورية والإخبارية السورية.
هذا الوصف الدقيق والموضوعي، هو تأكيد على حتمية وجدية الدولة في مكافحة الفساد (طالما أنه موجود) في هذه الظروف وبغير ظروف، كون هذا الملف (المحسوم سلفاً) يعد جزءاً مهماً وأساسياً من تطوير الدولة وتعظيم وتعزيز مقدراتها التنموية والاقتصادية، وهذا يحتاج بالمقام الأول إلى قوانين وتعليمات تنفيذية وإجراءات وقرارات.. بلا ثغرات تؤدي إلى فتح باب الاحتمالات على مصراعيه وصولاً إلى الاستثناءات التي لا تحكمها -حتى تاريخه- ضوابط على الإطلاق.
نعم الفساد شيء والتقصير شيء آخر، ولكن لكل منهما تداعياته السلبية على الحياة العامة، وعليه فإن كليهما يستحق المساءلة والمحاسبة والمعالجة بالطريقة والأسلوب والآلية التي يمكن من خلالها إعادة الأمور إلى النصاب التي يجب أن تكون عليه، وهنا نؤكد ونقول بملء حناجرنا إن مكافحة واجتثاث واستئصال ووأد وسحق أخطبوط الفساد المرئي وبتر أذرعه الشيطانية، تحتاج أولاً وأخيراً (ولاشيء سواها) إلى اعتماد الأجهزة التنفيذية والتفتيشية والرقابة والقضائية على نظام جديد اسمه بصمة الجيب -لا بصمة الإبهام الأيسر ولا الصوت أو بصمة العين- للوقوف على حجم الأموال -بالنقدين الوطني والأجنبي وصولاً إلى الحلي والمجوهرات والفلل والعمارات- التي دخلت خلسة إلى أرصدة الحيتان الذين كانوا قبل سنوات من الآن (وفقاً لثرواتهم) أسماك سردين ليس إلا، وهذا يحتاج إلى شراكة حكومية ـ مجتمعية لتحصيل أموال الدولة (لا المشيخات كما هو الحال في بعض الدول)، بموجب أحكام قضائية لا لبس فيها ولا غموض، تعطي لكل ذي حق حقه، لا جعل هؤلاء أحجاراً على رقعة شطرنج لنقلهم من مربع إلى آخر جزاء ما اقترفته أيديهم التي تفوت يومياً على الخزينة العامة للدولة العشرات إن لم نقل المئات من ملايين الليرات السورية.
وهنا يأتي دور الإعلام الذي يعد في صدارة مؤسسات الدولة والمجتمع في هذا الجهد، وعليه أن يسلط الضوء على الفساد (البيئة والأشخاص) ويبني رأياً عاماً ضاغطاً ضد الفاعلين والمؤثرين في صناعة الفساد، وتكوين ثقافة مجتمعية تنبذ الفساد والمفسدين وتتعقبهم وتحمي المبلغين عنهم، وتردع كل من تسول له نفسه (ممن شارك في الغنيمة أو صمت عن الجريمة) مجرد التفكير في الدفاع عن الفساد أو منع حتى مجرد نقده.