هو قولٌ، لابدَّ أن يتوقف لديه كل من يقرأ الكتاب الذي يحاكي الكاتب فيه، الواقع الذي بات يُشعرنا بأننا فعلاً «نعيش في غابة» وبأن «المسافة بين الإنسان والوحش صغيرة لدرجة أن أيّاً منَّا يمكن أن يكون الضحية أو الجلاد».
إنه القول الذي يدفعنا مع غيره مما في الكتاب من أقول، إلى السؤال: يا ترى ما الذي كان سيكتبه «عدوان» لو شهد ما يحصل في واقعنا الذي تغوّل فيه الإنسان؟.. ما الذي كان سيكتبه عنه وهو يراهُ يتغوّل ويتحوَّل، من الحيونة إلى الوحشية المزمنة؟..
سؤالٌ، ليس من الصعب التكهّن بما كان «عدوان» سيجيب عليه، ولا على ما نعيشه من بشاعاتِ الحاضر الذي انعدمت كلّ القيم والأخلاق فيه.. ذلك أن ما شهده هذا المبدع ووثَّقهُ بأعماله، سيبقى أبدَ الحياة يستدعيه وأقواله: «في الحارات المهجورة، بين صفوف الشعب المعزول/ يترصدنا القَتَلة/ ولذا لم أسأَل نفسي يوماً: من منهم سيكون القاتل؟ /بل كنتُ أقول: /من منّا سيكون المقتول؟/.
حتماً، لم يكن «عدوان» هو الأديب الوحيد في رؤيته التي استشعرت هذا المقدار المرعب من «حيونة الإنسان». ذلك أن كُثراً من كتاب وفلاسفة العالم كانوا قد استشعروا ذلك قبله، وعلى مدى سعي «إدارة التوحش» لبرمجة البشر واقتيادهم إلى ما جعل الحياة أشبه بغابة تتصارع فيها ذئابُ الأفكار والمصالح والسياسات والأديان.
كُثرٌ كانوا قد استشعروا ذلك، ومنهم الكاتبة الإنكليزية «جورج إيليوت» التي واجهت البشر بسخطها وإعلانها: «إذا كانت نظرية داروين صحيحة، سوف ترفع عالم الحيوان كلّه إلى التحلي بكرامةٍ، تاركة الإنسان متقدماً بالقدر الذي هو فيه اليوم».
هذا ما أعلنته «إيليوت» ليكون ما أعلنه الفيلسوف وعالم النفس الألماني «إريك فروم»: «الإنسان يختلف عن الحيوان في حقيقة كونه قاتلاً، لأنه الحيوان الوحيد الذي يقتل أفراداً من بني جنسه ويعذبهم دونما سبب بيولوجي أو اقتصادي. الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يمثل وجوده مشكلة يتوجب عليه حلها».
أيضاً، ها هو الكاتب والمسرحي الإيرلندي الساخر «برنارد شو» يُدلي برأيه وهو خائفٌ لأنه العارف، بـ «أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يثير رعبي»..
نختتم، بقول أكثر أدباء العالم قدرة على فهمِ الإنسان وسبرِ أغواره. الأديب الروسي «فيودور دوستويفسكي» الذي نستدعي من روايته «الإخوة كارامازوف» قوله عن حيونة الإنسان، بل وحشيته: «يقال أحيانا أن الإنسان «حيوان كاسر» إلا أن في هذا القول إهانة للحيوانات لا داعي إليها، فالحيوانات لاتبلغ مبلغ البشر في القسوة أبداً، وهي لا تتفنَّنُ في قسوتها تفنن الإنسان. النمر يكتفي بتمزيق فريسته والتهامها. إنه لا يمضي إلى أبعد من ذلك، ولا يخطر بباله يوماً أن يسمِّر أحداً من أذنيه بسياج، ولو قدر على ذلك»..
باختصار.. مرعبٌ أن نجد ما نشعر به اليوم، قد استشعره أدباء وفلاسفة وعظماء منذ آلاف السنين.. إنها الحقيقة، وهي أكثر من مرعبة.. إنها كارثية.. بالتأكيد هي كارثية، وبدلالة ماعشناه على مدى الحرب التي عشناها وأظهر الإنسان فيها ولايزال، ما يفوق في وحشيته أي وحشية..
يبدو أننا أخطأنا عندما اعتقدنا، بأن الإنسان هو كائنٌ أخلاقي وعاقل وإنساني، وها هو الفيلسوف الألماني «نيتشه» يؤكد ذلك في قوله الذي وكأنه يخاطب به إنسان هذا الزمن البهيمي: «كنتم قردة ذات يوم وإلى الآن ما يزال الإنسان أكثر قردية من أيِّ قردٍ.. أيُّ إنسان هو هذا؟!.. كتلة متشابكة من الأفاعي لا تجد الراحة فيما بينها، فتتفرق لتبحث عن فريستها في الأرض».