ومن ثم, فان الحكومات القائمة, تحاول تبرير فشلها تجاه المحكومين, بصياغة كم هائل من القرارات والقوانين والتشريعات, التي تؤيد حرية الانسان وتضمد حقوقه, دون ان يكون لهذه القرارات اي مفعول جدي. وهذا ما يجعلنا نرى تمركز القوى في الدول بأيدي مجموعة صغيرة من رجال الاقتصاد , الذين يتحكمون بالسياسة الداخلية والخارجية بنفس الوقت, حتى انهم يدفعون بالسياسيين والعسكريين لشن حروب, بهدف الاثراء والغنى ليس اكثر.
يعود فائز البرازي في كتابه( لا للديمقراطية, نعم للديمقراطية) الى تلك المرحلة من التاريخ التي بدأ فيها العقل البشري بشكل جدي يضع اساسا للحكم الصالح ويكون مثاله على ذلك هو افكار سقراط وتقسيمه للحكومات الى خمسة انواع هي: الارستقراطية, التيموكراسية, الاوليغاركية, الديمقراطية والاستبدادية.
الدولة الارستقراطية, هي دولة مثالية, لأنها دولة كاملة بالفرد الكامل.
اي ان كل افراد الدولة هي اناس مكتفون واثرياء.
اما الدولة التيموكراسية, والتي يطلق عليها اسم (حكومة الشرف) فهي الحكومة التي تسود فيها روح التحزب وحب التميز, وتتشكل في معظمها من افراد يستمدون افضليتهم بقوة السلف بدون جدارة ذاتية. وهؤلاء يستولون على الاراضي والبيوت, ويستعبدون اصحابها ويحولونهم الى طبقة سفلى كعبيد ارقاء للخدمة في الحرب والدفاع عن سلامة اسيادهم.
يقول البرازي بأن حكم الاوليغاركية يقوم على سيطرة الاقلية واحتكار الاغنياء لمقدرات الدولة دون ان يكون للفقراء حظ في الحكم. ويكون الانتقال من التيموكراسية الى الاوليغاركية, حين تتدفق الاموال الى الحكام, فيجدون طرقا بائسة للانفاق, وينبذون الشرائع ويدوسون الاحكام, فيفقدون الفضيلة وينفذون شريعتهم بقوة السلاح اذا لم تنجح اكاذيبهم حول تأليف الحكومة.
تنشأ الديمقراطية بفوز الفقراء, فيقتلون بعض خصومهم وينفون غيرهم, ويتفقون مع الباقين على اقتسام الحقوق والمناصب المدنية ويغلب على دولة كهذه ان تكون المناصب بالاقتراع. ويستطرد سقراط بأن هذا النظام قد يكون اجمل النظم.
ولكنه يرى هذه الحكومة عبارة عن جمهورية مستحبة وفوضوية وملونة, لأن الديمقراطية بنظره ستولد الاستبداد, حيث ان الحرية السائدة ستؤدي الى تطاول العبيد على اسيادهم. ونجد ان سقراط الذي ينبذ الدولة الاوليغاركية ويؤكد على فسادها, يعود ليعتبر افرادها الحكام هم اسياد, دون ان يكون للسيادة معنى نخبوي,يستمد قوته من الفضيلة في الحكم.
ان الفضيلة والحكمة والتعقل والشجاعة هي اساس الحكم الصالح بنظر سقراط وحين يسند سقراط الحكم الى الفلاسفة, فانه من غير الضروري ان يكون الحكام مستبدين, لأن الاستبداد شر من الشرور الكبرى, وبه سوف ينهدم اي حكم .
في عالم اليوم, تقرر الولايات المتحدة الامريكية بأنها دولة الديمقراطية الاولى رغم انها تفرض وتأمر وتقرر وتستملك وتحتل, من دون ادنى اعتبار لأي قوة اخرى على الارض. انها تهدد وتخنق وتحاصر اقتصاديا وترفع صوتها بأنها تصلح الكرة الارضية.
رغم هذا, فإن بعض الباحثين, يرون تحولا جذريا في تاريخ الولايات المتحدة, تلك الامة التي كانت صديقة للعدالة ورمزا للحرية. اما اذا جرى بحث جدي في ذلك التاريخ الذي اسست فيه الامة الامريكية, فاننا سنسمع صوتا تأسيسيا يقول: (لئن كان الله قد سمح بأن يجتمع في ارض امريكية شعب من رجال ونساء مميزين, فذلك لأنه منح هذا الشعب رسالة حكم العالم ذات يوم) .
ويتابع رجال امريكا الحديثون رفع وتيرة هذا الصوت عبر الرئيس الامريكي نيكسون عندما قال: (الله مع امريكا.. الله يريد ان تقود امريكا العالم).
باسم الديمقراطية,يتم اغتيال حرية الموطن الامريكي وسرقة صوته الانتخابي, وتعبر الاموال الى داخل امريكا بقوة العسكرة والعلاقات مع المستبدين في كل مكان من هذا الكوكب.
المال هو المحرك الرئيس لامريكا. لقد جمع النظام الامريكي بين نقيضين: اطلاق الحريات, ونقض الحريات. فهذا النظام يطلق الحريات السياسية بشكل ليس له مثيل غير ان هذا النظام ينقص الحريات دون ان يلجأ الى تعديل القانون وهو يغتصب سلطة الناس دون تزوير الانتخابات و يكتم الآراء المخالفة دون ان يمنعها وكلمة السر في ذلك هي (المال) ان من يصنع الاساطير الاميركية هم : المال, هوليود, ماكينة الاعلام.