تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بعد اكتشاف الغاز...صراعات على الأبواب في شرقي المتوسط

عن موقع : Voltairenet
ترجمة
الأحد 1-7-2012
ترجمة:دلال ابراهيم

في أعقاب إجراء دراسة على اكتشافات مصادر الطاقة في السواحل الشرقية للبحر المتوسط , يركز الصحفي وليم انغداهل في هذه المقالة على المصادر المكتشفة في بحر ايجه , التي ستكشف عن تغيير عميق في المشهد الجيوسياسي .

وفي حين أن استثمار الاحتياطي النفطي المكتشف في اليونان يتيح لها حل مشكلة ديونها , وضع الأسياد الغرباء لتلك الدولة الذين فقدوا سيادتهم , خططاً مغايرة . وجاءت هيلاري كلينتون , وزيرة الخارجية الأميركية بشخصها إلى أثينا من أجل ضمان مصالح الولايات المتحدة وزوجها بيل في المنطقة , وعملت بذلك على تغذية التوتر مع روسيا .‏

حث الإعلان عن اكتشاف احتياطي ضخم من الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط قبالة السواحل الفلسطينية أواخر عام 2011 الدول المجاورة على التنقيب في مياهها الإقليمية . وكشفت أعمال التنقيب أن السواحل الشرقية للبحر المتوسط بأكملها تحوي على احتياطي ضخم من الغاز غير المستثمر . ولا بد أن يترتب عن هذه الاكتشافات نتائج سياسية وجيوسياسية واقتصادية , ويمكن أيضاً أن يكون لها نتائج عسكرية .‏

ودلت أولى هذه الاكتشافات عن وجود احتياطي هائل من النفط والغاز في جميع أنحاء السواحل قبالة اليونان وتركيا وقبرص وسورية .‏

وليس مدهشاً أنه وفي ظل الأزمة الكارثية التي تشهدها اليونان أن تنطلق الحكومة اليونانية في عملية بحث عن البترول والغاز . ومنذ اكتشافها هذه المصادر , شاركت اليونان في رقص الباليه الغريب مع صندوق النقد وحكومات الاتحاد الأوروبي من أجل معرفة من سيتحكم بهذه الاكتشافات الضخمة ومن المستفيد منها في آخر المطاف .‏

وبينما كان واضحاً منذ شهر كانون الأول عام 2010 أنه يمكن حل الأزمة اليونانية دون اعتماد خطط إنقاذ عملاقة أو مخصخصة عملت وزارة الطاقة اليونانية على إنشاء فريق من الخبراء بهدف دراسة كافة الاحتمالات في مسألة البترول والغاز الموجودة في مياهها . وشرعت الصناعة النفطية والغازية في البلاد بزيادة استثماراتها في أعقاب أول اكتشاف بسيط للنفط في عام 2009 . ثم أجريت دراسات جيولوجية أكثر أهمية . حيث أشارت التقديرات الأولية إلى أن كمية النفط قبالة السواحل اليونانية سوف تتجاوز 22 مليار برميل في البحر الأيوني إلى الغرب وحوالي 4 مليارات برميل في شمال بحر ايجة إلى الشرق .‏

هذا إلى جانب أن الأجزاء الجنوبية من بحر إيجة وبحر كريت لم يتم استكشافهم بعد , وتشير التقديرات النهائية إلى احتوائهم على كميات هائلة أكثر . وبين تقرير صادر عن المجلس الوطني اليوناني لسياسة الطاقة أن « اليونان تعتبر أقل البلدان في أوروبا استكشافاً في مجال احتياطي الطاقات الهيدروكربونية « ويرى المحلل ارسطو فاسيلاكيس « تقدر دراسات البحث أن كمية الاحتياطي من الغاز الطبيعي تقترب قيمتها من 9000 مليار دولار « وحتى ولو كان جزء صغير من هذا المبلغ متاحاً , سوف يكون كافياً لحدوث تغيير جذري في الشؤون المالية في اليونان وجميع أنحاء المنطقة.‏

وصرح ديفيد هينس الخبير في الموارد النفطية من جامعة تولان ( نيواورليان ) مؤخراً أمام جمهور يوناني في أثينا أنه بإمكان اليونان حل أزمتها وسداد ديونها العامة من خلال استثمار آبار النفط والغاز المستكشفة فيها . ويعتقد أن هذا القطاع يؤمن للبلاد 300 مليار يورو على مدى 25 عاماً . ولكن بدلاً من ذلك اضطرت الحكومة اليونانية القبول بإجراء تعديلات وزارية وخفض الأجور ووقف صرف المعاشات التقاعدية من أجل الحصول على القرض الثاني من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من تعميق خطا السير نحو التدهور الاقتصادي.‏

ومن المعروف أن زعماء صندوق النقد والاتحاد الأوروبي , ولا سيما ألمانيا يطالبون اليونان ببيع موانئها ومؤسساتها العامة, وبالتأكيد من بين هذه المؤسسات شركات النفط التابعة للدولة , بغية خفض دينها . وفي أفضل الحالات , فإن بيع السندات يوفر للبلاد 50 مليار يورو . وتتوقع الخطط أن تعمل المؤسسة العامة للغاز الطبيعي على خصخصة 65% من أسهمها لسداد الدين . والاحتمال الأكبر أن يأتي الشارون من خارج البلاد , كما كان الحال مع مؤسسات يونانية أخرى واجهت نفس الوضع .‏

والمشكلة , في صرف النظر عن طلب صندوق النقد ببيع اليونان مواردها النفطية , تكمن في حقيقة أن اليونان لم تعلن عن منطقة اقتصادية محصورة , أسوة بمعظم بلدان العالم للتنقيب عن النفط . ولا زالت الحاجة ملحة للقيام بذلك . وتمنح المنطقة الاقتصادية المحصورة للدولة حقوق خاصة مرتبطة بالثروات الموجودة في البحار في مياه حددتها الاتفاقية الثالثة للأمم المتحدة حول قانون البحار الساري المفعول منذ تشرين الثاني عام 1994 . وبموجب هذه الاتفاقية يحق لكل دولة الإعلان عن منطقة اقتصادية محصورة لمسافة 200 ميل بحري على سواحلها .‏

وكانت تركيا قد أعلنت سابقاً أنها سوف تعتبر أي أعمال تنقيب وحفر يونانية بعيدة في بحر إيجة بمثابة ( إعلان حرب ) ولغاية الآن لم يترتب على ذلك أي نتائج لأنه لغاية ذلك الحين لم يكن مستكشفاً أي بترول أو غاز . إلا أن الرهان تغير الآن .‏

وضمن هذا السياق أعلن ايفانجيلوس كولومبس , وزير الصناعة السابق أن البلاد بإمكانها (تغطية 50% من احتياجاتها عبر البترول المستكشف على سواحل بحر إيجة , والعقبة الوحيدة هي المعارضة التركية لاستثماره من قبل اليونان.»‏

وفي تموز من عام 2011 انضمت واشنطن إلى جوقة الطامعين بالموارد النفطية اليونانية . وجاءت هيلاري كلينتون إلى أثينا وهي تضع في رأسها مسائل الطاقة , ورافقها في تلك الزيارة الموفد الخاص للطاقة الأوراسية ريتشارد مورنينغستار, وكان يشغل سابقاً المستشار الخاص للرئيس بيل كلينتون , المكلف بدبلوماسية الطاقة في حوض Capien وكذلك أحد العناصر الاستراتيجية في واشنطن ضمن المعارك الجيوسياسية الهادفة إلى تقطيع أواصل الاتحاد السوفييتي السابق وتطويق روسيا وقد غرقت في الفوضى بسبب جمهوريات الاتحاد السوفييتي الأسبق والتي أصبحت موالية للناتو .‏

وكان مورنينغستار والمثير للجدل ماتيو بريزا من فريق المخططين الأساسيين في واشنطن لمشاريع خطوط النفط والغاز الرامية إلى قطع روسيا ومواردها الغازية إلى الاتحاد الأوروبي. ويعتبر بريزا معارضاً شرساً لخط الأنابيب الروسي ساوث ستريم الذي يمر عبر دول شرق المتوسط . ومن الواضح أن إدارة الرئيس اوباما ليست محايدة في موضوع الاكتشافات الجديدة للنفط والغاز . إذ وبعد ثلاثة أيام من مغادرة هيلاري كلينتون أثينا , اقترحت الحكومة اليونانية إنشاء وكالة حكومية جديدة لإدارة عمليات تقديم العروض للتنقيب والحفر .‏

ويختص مورنينغستار في مسألة حرب العصابات الاقتصادية المستهدفة السياسة الطاقية الروسية . وكان حازماً في الحفاظ على خط أنابيب BTC المثير للنزاع والذي يمتد من باكو – تبليسي إلى جورجيا وينتهي في مدينة جيهان التركية , وهو مشروع خط باهظ التكاليف للغاية يرمي إلى تجنب المرور عبر روسيا . ودعا علانية كل من اليونان وتركيا إلى نبذ خلافاتهما التاريخية حول قبرص وكذلك العديد من المسائل الأخرى من أجل إدارة احتياطهما من البترول والغاز في بحر إيجة بالتشاركية. وطلب من الحكومة اليونانية ضرورة نسيان تعاونها مع موسكو في مسألة خط نفط ساوث ستريم وأيضاً مشروع خط غاز بورغاس – الكسندروبولس .‏

ويقول تقرير أعده المحلل السياسي ارسطو فاسيلاكيس في شهر تموز من العام الماضي أن هدف واشنطن عبر حثها كل من اليونان وتركيا إلى توحيد قواهما في مسألة النفط والغاز يكمن في تقاسم العائدات المتوقعة من عمليات الاستثمار . ووفق ما جاء في التقرير , تقترح واشنطن أن تحصل اليونان على 20% من العائدات , ومثلها تركيا , بينما تكون حصة شركة نوبل النفطية الأميركية , الشركة التي تقوم بأعمال التنقيب في المياه الفلسطينية وعلى طول السواحل اليونانية حصة الأسد البالغة 60% . ويعتبر بيل كلينتون زوج هيلاري أحد قوى الضغط في واشنطن لحساب شركة نوبل للطاقة.‏

كما واكتشفت نوبل للطاقة كميات هائلة من الغاز قبالة سواحل جمهورية قبرص , ليضاف هذا الاكتشاف إلى التعقيدات الجيوسياسية للمنطقة . ففي شهر كانون الأول 2011 أعلنت الشركة عن نجاح أعمال التنقيب في تلك المنطقة , وقدرت الكمية بنحو 200 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي . وأشار تشارليز ديفدسون , المدير العام للشركة إلى الصحافة “تدل هذه الاكتشافات أن هذا الحوض له أهمية أساسية على الصعيد العالمي , سواء من حيث الكمية والنوعية .”‏

وتعتبر قبرص القطعة الأكثر تعقيداً على رقعة الشطرنج . ودلت وثائق خاصة بالحكومة الأميركية تعود لأعوام السبعينات تم الكشف عنها مؤخراً أن هنري كيسنجر , وزير الخارجية حينها شجع وقدم تسهيلات للنظام التركي بزعامة زميل كيسنجر في جامعة هارفارد ورئيس الوزراء بولند أجاويد لتنظيم غزو عسكري ضد قبرص في عام 1974 , مما أدى إلى التقسيم العرقي للجزيرة بين جزء شمالي تركي والجزء القبرصي اليوناني إلى الجنوب , تقسيم لا زال قائماً حتى الآن . وكان هدف كيسنجر المدعوم من قبل البريطانيين هو خلق ذريعة لتواجد عسكري أميركي وبريطاني دائم للقيام بأعمال التنصت العسكري في الحوض الشرقي للمتوسط أثناء الحرب الباردة .‏

وحالياً تم اكتشاف حقول الغاز في الجزء القبرصي اليوناني , العضو في الاتحاد الأوروبي . ورئيسه هو الزعيم الشيوعي الوحيد ضمن الاتحاد . كما ويعتبر صديقاً مقرباً من إسرائيل وروسيا . علاوة على ذلك يعتبر معارضاً ضد السياسات الخارجية الأميركية والتركية . وفي تلك الأثناء , تتطلع إسرائيل إلى بناء خط أنابيب لنقل الغاز في أعماق مياه البحر من حقول غاز بلاد الشام عبر المياه القبرصية والبر اليوناني لتزويد سوق الاتحاد الأوروبي بها . واتفقت حكومتا قبرص وإسرائيل على ترسيم مناطقهما الاقتصادية الحصرية , متجاهلين تركيا . والتي من جانبها هددت قبرص من جهة اتفاقها مع شركة نوبل للطاقة . وجاء رد فعل روسيا عبر تصريحها أنها لن تتساهل مع التهديدات التركية ضد قبرص . لتزيد في تعقيدات العلاقات الروسية – التركية .‏

ومن جهة أخرى توترت في السنوات الأخيرة على نحو متزايد العلاقات القبرصية – الإسرائيلية الودية في الماضي على خلفية سياسة أردوغان الخارجية . فقد أعربت أنقرة من جانبها عن قلقها من العلاقات القائمة بين إسرائيل وأعدائها التاريخيين اليونان والجزء اليوناني من قبرص . وتخشى جمهورية قبرص التركية في الشمال , حليف تركيا من عدم تمثيلها بشكل عادل في تقاسم حصص الغاز , بعد أن وقعت تل أبيب ونيقوسيا اتفاقية تقاسم مسافة 250 كم من مياه البحر الفاصل بينهما .‏

وبات من الواضح , خصوصاً إذا ألقينا نظرة موازية على خريطة السواحل الشرقية للبحر المتوسط , أن الشهية الجشعة لاحتياطي البترول والغاز واستثمارهم أرسى أسس صراعات على نطاق واسع في منطقة تتشابك فيها المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وتركيا وسورية ولبنان .‏

بقلم : وليم انغداهل‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية