وبتلك العناوين والشعارات البراقة التي لاتزال الولايات المتحدة الأميركية تمتطيها لإعادة احتلال الشعوب والدول واستعمارها من جديد بما يحقق طموحاتها ومشاريعها في المنطقة.
فبعد مرور عشر سنوات على غزو العراق تشرع الابواب على كثير من التساؤلات المؤلمة التي لم تداويها اعتذارات وزير الخارجية الأمريكية الأسبق كولن باول عما قاله في مجلس الامن قبيل غزو العراق حول امتلاك العراق اسلحة دمار شامل تلك الكذبة التي وصفها الدبلوماسي الأمريكي بيتر فان بيوري ب (السمجة ) ، والتي لم تخفف منها كذلك عاصفة مدير الاستخبارات المركزية الامريكية الاسبق جورج تينت الذي اكد في كتابه (في قلب العاصفة) خلو العراق من الاسلحة المزعومة.
من المؤكد ان التداعيات الاكبر لهذا الغزو كانت من نصيب الشعب العراقي الذي دفع الملايين من ابنائه ثمنا لهذا الغزو قتلا وتشريدا وتدميرا ، وربما يكون الخوض في هذا المضمار طويلا ومؤلما وفاجعا .. لكن السؤال الذي يعاد دفعه الى السطح كلما لاحت ذكرى غزو اميركا للعراق هو هل حققت الولايات المتحدة أهدافها المعلنة من هذا الغزو أم أن هذا الغزو اعطى مفعولا عكسيا على الولايات المتحدة والعالم .
من المؤكد ان الاجابة على هذا السؤال قد تبدو معقدة بعض الشيء حيث تراوح الاجابات بين التباين والاختلاف الذي يصل احيانا الى حدود التناقض بحسب الايدولوجيا و وجهات النظر التي تتحكم بالاجابات التي تؤكد بعضها ان الولايات المتحدة الاميركية حققت الكثير من اهدافها في غزو العراق وفي مقدمة تلك الاهداف غزو العراق وتدميره وقتل وتشريد الملايين من ابنائه والسيطرة الى حد ما على ثرواته ومقدراته تمهيدا للسيطرة على المنطقة بمجملها ، فيما تجزم معظم الاجوبة الاخرى بأن الولايات المتحدة الاميركية لم تحقق من غزوها للعراق ايا من اهدافها وتحديدا المعلنة منها و المتمثلة بالقضاء على الارهاب في المنطقة و نشر الديمقراطية في العالم العربي حيث أنتج الغزو نتائج عكسية ليس على الولايات المتحدة الاميركية فحسب بل على العالم حيث ازدادت وتيرة الارهاب في المنطقة والعالم وانحسرت الحريات والديمقراطيات وحقوق الانسان الى حدود غير مسبوقة، هذا بالاضافة الى ان الغزو الاميركي للعراق قد فضح الولايات المتحدة واسقط عنها ماتبقى من اوراق التوت التي كانت تستر فيها عوراتها واستراتيجيتها التي كانت تنسجها خلف الكواليس وداخل الغرف المظلمة حيث ازدادت صورة الولايات المتحدة قتامة في المنطقة والعالم بعد انكشاف الحقائق التي كانت وراء غزو العراق حتى الشارع الاميركي الذي كانت الضحية الابرز لحروب بلاده الخارجية وهذا ما يشرحه الوضع الاقتصادي السيئ لاميركا انتفض على ادارته مطالبا اياها بتفسير و تبرير الاسباب الحقيقية لحروبها الخارجية التي لم تجر على الاميركيين سوى الويلات والازمات والكره والحقد من كل شعوب العالم .
غير ان السؤال السابق عن الاهداف التي حققتها اميركا من هذا الغزو يجر معه سؤالا ملازما سرعان ما يتبادر الى الاذهان وهو ..هل اتعظت الولايات المتحدة من درس العراق ؟ .. الاجابة على هذا السؤال تشرحها استراتيجية البيت الابيض منذ تولي بارك اوباما سدة الرئاسة والتي تقوم بالدرجة الاولى على سحب جيوشها وجنودها من العراق وافغانستان واعادتهم الى قواعدهم مع الحفاظ على قواعد ثابتة و وحدات متمركزة كي تحافظ على وجودها في المنطقة.
غير ان العظة الاساسية التي اكتسبتها الولايات المتحدة من غزو العراق والتي املت عليها ضرورة المرتكز الثاني التي تقوم عليها استراتيجيتها الجديدة هي تراجعها الى خلف الكواليس حيث اوكلت مهمة مباشرة حروبها الى حلفائها ووكلائها واكتفت باصدار الاوامر وادارة غرف العمليات عن بعد محققة بذلك عدة اهداف في وقت واحد أبرزها تبييض وتجميل صورتها التي شوهتها غزواتها وحروبها الخارجية خارج حدودها دون مبرر وتحديدا تجميل وجهها امام المواطن الاميركي الذي بات يتساءل خلال الاعوام الماضية عن جدوى تلك الحروب وماذا حققته لبلاده ، هذا بالاضافة الى تقليل الخسائر البشرية والمادية في الجسد الاميركي الذي يعاني ضعفا واضحا بشكل عام خاصة وان الامبراطورية العظمى باتت تجثم على حافة الهاوية بكل اهوالها ومخاطرها السياسية والاقتصادية والاخلاقية التي باتت تثير امتعاض الاميركيين والعالم .
لكن الاهم من العظة التي اكتسبتها واشنطن في غزوها للشعوب هي العظة التي اكتسبها العرب من غزو اميركا للعراق .. مسيرة الاحداث والوقائع على الارض منذ غزو العراق تؤكد ان الكثير من العرب لم يتعظوا من غزو العراق بل على العكس من ذلك نجد ان الكثير من الدول العربية امعنت في رفض الواقع الذي خلفه غزو العراق والذي انتجته تداعياته وارتداداته حيث ذهب اولئك ابعد مما هو متوقع مرتمين في احضان اميركا واسرائيل والغرب الاستعماري حيث تحاول الولايات المتحدة بائسة غزو المنطقة مجددا بذرائع وحيل جديدة ابرزها شعارات الحرية والديمقراطية كما حصل في ليبيا وتونس ومصر وكما يحصل اليوم في سورية .