إن المعضلة الإيرانية لا تكمن في موضوع حظر انتشار الأسلحة النووية فحسب بل لكونها تمثل فقدانا للثقة الاستراتيجية المتبادلة التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة وإيران، إذ إننا لو عدنا بالذاكرة إلى سنوات خلت لتبين لنا بأن الولايات المتحدة هي من ساعد ودفع بإيران لتكون دولة نووية ذات شأن في المنطقة، وهي من يقوم اليوم بالتحريض على البرنامج النووي الإيراني والسعي لجعله مشكلة عالمية.
في عام 1957 وقعت الولايات المتحدة وإيران اتفاق تعاون للمساعدة على تنفيذ برامج تتعلق بالاستخدام السلمي للذرة وذلك بغية منافسة الاتحاد السوفييتي السابق في الشرق الأوسط. وفي عام 1963 وقعت إيران على معاهدة حظر التجارب النووية. وفي عام 1968 وقعت على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
أما في عام 1979 حيث اندلعت الثورة الإيرانية وانصرفت إيران عن التعاطي مع الولايات المتحدة لتتحول بعلاقاتها إلى الاتحاد السوفييتي بغية الحصول على مساعدته ومؤازرته في هذا المجال، وقد شهدت العلاقات تدهورا بين البلدين.
منذ عام 2003 تصدر الحديث عن البرنامج النووي عناوين الصحف وبعد عام واحد قامت الحكومة الإيرانية بالتوقيع على برتوكول يسمح بعمليات تفتيش مفاجئة لمنشآتها النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن الولايات المتحدة لم تكتف بهذا الإجراء بل واصلت الضغط على إيران ووصفها بالدولة «المارقة». وفي عام 2005 انتخب محمود أحمدي نجاد رئيسا للجمهورية حيث نهج إلى اعتماد سياسة نووية متشددة، وفي عام 2009 قال بأن إيران لن «تتراجع قيد أنملة» عن حقها المشروع في متابعة برنامجها النووي السلمي وبذلك تحولت المشكلة النووية الإيرانية إلى «أزمة».
في الوقت الحالي ازدادت الأزمة تعمقا، وتجاهل الغرب سؤالا أساسيا: وهو هل لدى إيران القدرة على إنتاج الأسلحة النووية؟ ونجد الجواب فيما قاله الخبراء إزاء ذلك من أنه ليس من المؤكد ما تقوله الولايات المتحدة إذ إن تطوير الأسلحة النووية يحتاج لتخصيب اليورانيوم بنسبة 90% لكن إيران حتى الآن تكاد أن لا تصل إلى نسبة تخصيب مقدارها 20% من اليورانيوم تلك النسبة التي لا تمكنها سوى من الاستخدام الطبي والتجريبي فحسب وإنها حتى لو استطاعت التوصل إلى النسب المطلوبة فإنها تبقى بحاجة لإجراء اختبارات للتفجير النووي والحصول على تقنيات أخرى لتطوير السلاح وجعله قابلا للاستخدام العملي الأمر غير المتوفر لها حاليا.
في شهر شباط صرح القائد الأعلى آية الله علي خامنئي علنا بأن سلاح التدمير الشامل النووي يتعارض مع التعاليم الإسلامية وليس في نية الدولة امتلاكه، الأمر الذي يعطي انطباعا عن وجود أسباب دينية تحول دون إقدام إيران على تنفيذ برنامج نووي للتسلح.
في صراع إيران مع الولايات المتحدة نلاحظها تستخدم عبارات مرنة مثل «الحقوق النووية» و«القدرات النووية» الأمر الذي يفصح عن نياتهاحيث إنها ترغب بالتأكيد على سيادتها واستقلالها في الوقت الذي تترك به الباب مفتوحا للقيام بعمليات تنفيذ برنامج للأسلحة النووية إن لزم الأمر، مما يمكنها من الحفاظ على الأمن الداخلي ومجابهة الضغوط الخارجية والعدوان المبيت لها من الخارج.
إن الولايات المتحدة وحلفاءها في الشرق الأوسط على علم تام بأن إيران ليس لديها القدرة على إنتاج الأسلحة النووية وإزاء ذلك نتساءل عن أسباب تلك الضجة المفتعلة المستمرة إزاء برنامجها للتسليح النووي ؟.
لا ريب بأن للولايات المتحدة أجندتها الخاصة التي تعمل بموجبها على تأجيج الأزمة الإيرانية بادعاء منع دولة عدوة لها من أن تصبح نووية تهدد دول الجوار وبذلك تستطيع الحفاظ على استمرار التبعية العسكرية لها من عدد من دول الشرق الأوسط الأخرى الأمر الذي يمكنها من تصدير الأسلحة لتلك الدول والحفاظ على قواعدها العسكرية في بلدانهم. أما بالنسبة لإسرائيل فبإمكانها الادعاء بعدد من التبريرات لموقفها ويقع في المقام الأول منها تعرضها لتهديد أمني فعلي من إيران لأنه سبق لأحمدي نجاد وأن قال بأنه يرغب «بمسح» إسرائيل من الخارطة، ولأن لدى إيران خططاً طويلة المدى لتدريب عناصر من حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، وإضافة إلى ذلك إصرارها على أن تكون الدولة الإقليمية الوحيدة المالكة للأسلحة النووية فضلا عن رغبتها في صرف اهتمام العالم عن القضية الفلسطينية بشكل عام.
أما بالنسبة للدول الأخرى وخاصة الدول المجاورة لإيران فإنها ترى بامتلاك هذا البلد للسلاح النووي خطرا محدقا بها يفوق ما تمثله إسرائيل من تهديد.
ينبغي علينا أن نبعد عن أنفسنا القلق من توقع هجوم إسرائيلي أو أمريكي على إيران على الأقل حتى انقضاء الأزمة السورية، إذ إن الولايات المتحدة وحلفاءها العرب يرغبون أن تكون سورية حجر الدومينو الأول، ويبذلون قصارى جهودهم لإبعاد إيران عن التدخل في الأزمة السورية. ومن الثابت أن تلك الدول تساعد المعارضة السورية وتمدها بالمساعدات على مختلف أنواعها.
من المؤكد أن الولايات المتحدة لن تعمد إلى تطبيق عقوباتها على الصين وسينغافورة لكونها لا ترغب في زيادة عدد الدول المناوئة والمعارضة لها فضلا عن أنه إن رغبت الولايات المتحدة أم لم ترغب فإن الضرورة تستدعي منها التعاون مع الصين لحل القضايا الدولية بدلا من اللجوء إلى وضع يدها بيد المعارضات القائمة.
بقلم: ما تشيولن