ويرى الكاتب الإيطالي جيانكارلو سكوتوتشي أن الوقت حان لكي تنظم هذه القوى المقاومة صفوفها وتستخلص الدروس السياسية من قراءة واضحة لأحداث 11 أيلول , الحروب الإنسانية ونهاية الديمقراطية في الغرب .
ما كشف عنه الصحفي تيري ميسان حول الإعداد لعملية تضليل إعلامي عن سورية تزعم بانقلاب الأوضاع فيها لصالح الولايات المتحدة وحلفائها محتملة جداً . فهذه المعلومات تأتي من مصدر سليم وموثوق . حيث كان الصحفي ميسان الشخص الأول الذي كشف أن عناصر من الحكومة الأميركية تقف خلف هجمات 11 أيلول , كما وكان من بين الأوائل الذي عرى الثورات الملونة التي قامت في كل مكان استطاعت الولايات المتحدة تحريكها فيه , وكان الأول الذي وثق التلاعب والتضليل الإعلامي الذي دفع بشعوب الدول المرتهنة للولايات المتحدة (ومن بينهم ايطاليا ) إلى مباركة الاحتلال الجديد لليبيا باعتباره حرب تحرير من الاستبداد . والاعتراف الآخر لميسان هو أنه أعلن منذ البداية أن التحرك ضد حكومة الرئيس بشار الأسد هي عملية حيلة افتراضية احتضنتها وسائل الإعلام الغربية من صحف وتلفزيون , وكانت الأجهزة الإعلامية الإيطالية من أوائل الثمالة في هذا التضليل .
من خلال تحليه بحس سليم ومصداقية شخصية , اضطر الصحفي تيري ميسان إلى الهرب من فرنسا إلى لبنان خوفاً من تصفيته على يد الاستخبارات الفرنسية بالتعاون مع نظيرتها الأميركية . وكان سابقاً يدير من باريس ( شبكة فولتير ) العالمية المناهضة للإعلام الغربي.
ولا بد لليسار الثوري الإيطالي بسبب المصداقية التي يستحقها ميسان ولا سيما فيما يتعلق بعملية التضليل الواسعة المزمع تنفيذها في سورية طرح سؤالين :
الأول : هل من الممكن لشعب يتمتع بالسيادة أن يكون مغفلاً إلى درجة أن يصدق كل ما يقدمه ويعرضه أمامه التلفزيون ؟ وهل من الممكن خضوعه إلى إغراء وتحريض هذه الشاشة الفضية ( والأوراق المطبوعة التي تقلدها ) إلى درجة أن يصبح جاهزاً للتخلي أمام تلك الصور غير المعروفة عن كل ما ترسب في قناعاته خلال أعوام ويحل محلها وجهات نظر متلفزة وقراءات تلغي شخصيته ؟
السؤال الثاني : في حال كان الجواب على السؤال الأول بالإيجاب , هذا يعني أن ليس المزاج فحسب , وإنما إلى أي حد ترتبط القناعات العميقة والمفترض نضوجها ببضع ساعات من الجلوس أمام التلفزيون , كيف يمكننا التطلع إلى تفادي أن يتم إخضاعنا نحن الشيوعيين المقاومين لعملية تضليل إعلامي ضدنا ولا يقنع الشعب أن هناك عملية تصفية ضدنا؟
تكمن الإجابة على السؤال الأول في هذه العناوين الفرعية الثلاثة , للكتاب الأسود للديمقراطية في ايطاليا , والذي ينبغي أن يكتبه أحد يوماً ما .
بيرلسكوني
وصل للسياسة وتم انتخابه وحكم ويستمر في التشاركية في الحكم ( فهو جزء مهم من حكومة مونتي ) بشكل غير شرعي.حيث قانون الدولة يحظر على صاحب الامتيازات الحكومية تقديم أي تنازلات عامة , وأكثر من ذلك تنازلات تلفزيونية يقدمها للناخبين . وبيرلسكوني يمتلك ثلاث أكبر الوسائل الإعلامية الخاصة واحتفظ بهم حين وصوله إلى الحكومة وأضاف إليهم استخدام الأقنية التلفزيونية العامة . وكذلك مدد مجساته الخاصة الإعلامية نحو المئات من الأقنية التلفزيونية الصغيرة والمتوسطة الخاصة , من خلال ربطهم بجملة اتفاقيات تجارية ذات طابع استعماري . أليس هذا ضرباً من الانقلاب الإعلامي ؟ وأي حزب سياسي استطاع إثبات مقاومته ؟ بالتأكيد لا أحد . ولا حتى الحكومة التي تدعى اليسارية لم تجرأ على التنديد بصراع المصالح هذا ( بين بيرلسكوني الإمبراطور الإعلامي وبيرلسكوني السياسي ) وهذه تعتبر في حد ذاتها عملية سلب للديمقراطية الإيطالية .
أوروبا
مكونات الدولة هي ثلاثة : الأرض والسلطة التشريعية والذراع العسكري . وهذه جميعها تنازلت عنهم ايطاليا إلى دولة ضخمة تدعى الاتحاد الأوروبي , وإلى الناتو والولايات المتحدة . وفي ايطاليا , في مدينة افيانو , توجد أضخم قاعدة عسكرية وهي عبارة عن أراضٍ أميركية تحوي المئات من الصواريخ النووية التي لا يستطيع سوى الأميركي استخدامها . وفي فيتشنزا نصبت أول وحدة أمن أوروبية قيادتها فيها , وتخضع تلك فقط للمفوضية الأوروبية . في حين أن البرلمان الإيطالي يستطيع الاستمرار في إصدار القوانين , شريطة عدم تعارضها مع القوانين الصادرة عن المفوضية الأوروبية . والقوانين الأوروبية لا يتم سنها من قبل ما يسمى البرلمان الأوروبي , والذي لا يملك السلطة التشريعية , ولكن لديه فقط حق النقض المحدود على القوانين , المحصور سنها بالمفوضية الأوروبية , وهذه بدورها ليست تعبيراً عن البرلمان الأوروبي , وإنما تعبير عن أسياد الاقتصاد والحكومات الأوروبية . ومن يسمون ( نواب أوروبيون ) هم مجرد دمى في يد المفوضية . يستطيع وزراء الاقتصاد الإيطاليون والمصرف الإيطالي التبجح على شاشات التلفزة كما يريدون ويعلنون اتخاذ ما يمكن أن يخطر على البال من إجراءات وإصلاحات , ولكن عملياً لا قيمة لذلك , نظراً لأن السياسة الاقتصادية تستند على إدارة موارد الدفع والقدرة على صك العملات , في حين أن ايطاليا لا تصك ولو يورو واحداً دون إذن من البنك الأوروبي , الذراع المالي للمفوضية المطلقة الصلاحية .
وأضفى الدستور الأوروبي الجديد ( والذي أعيد تسميته مجازاً معاهدة الاتحاد الأوروبي ) الطابع الرسمي لنقل السلطات من الدولة الإيطالية إلى المفوضية الأوروبية . ولم يعد الشعب الإيطالي يملك السيادة على شيء , سوى اختياره من بين العشرات من المحطات التلفزيونية كافة موزعي العصيدة السامة .
والخلاصة هل اعترض أحد من بين الأحزاب الممثلة في البرلمان الإيطالي أو من بين أولئك الذين لم يصلوا إليه على هذا الانقلاب الأوروبي على الديمقراطية الأوروبية ؟ هل تجرأ أحد على الإدعاء أن هذا الدستور الأوروبي الذي ابتلع الدستور الإيطالي خضع إلى استفتاء ؟
الدستور الإيطالي (الساري المفعول قبل انتهاكه من قبل الدستور الأوروبي ) واضح وشفاف : حيث على الجيش الدفاع حصرياً عن الدولة الإيطالية . وهو مفهوم مقدس ومكرر منذ 70 عاماً . وفي العهد الجديد عملت الحكومات الإيطالية الموالية لأمريكا على بناء حاملة طائرات , والتي ليس الهدف منها حماية البلاد , وإنما حمل الطائرات والحروب إلى بلاد بعيدة , وكانت تلك الحكومات مدركة لانتهاك الدستور, وجاء دور الإعلام ليدس للناس المخدر بما فيه الكفاية .
والانقلاب الإعلامي الثالث وهو الحربي وصل بسلام , حيث وفي أعقاب أعوام من التقارير والأخبار الكاذبة والصور المضللة وتواطؤ ما يدعى أحزاب اليسار أدخلوا في قناعة الشعب الإيطالي أن يوغسلافيا هي موطن لإثنيات همجية التي تقتل بعضها , وفي حال لم نتدخل بينهم فإن عدوى ذلك سيصل حتى إلى إيطاليا . وعلى هذا النحو تجمع الإيطاليون أمام أخبار النظام ومنحوا ثقتهم إلى الحكومات المتعاقبة , ومن بينها حكومات اليسار ,وهكذا انطلقت إيطاليا في الحرب تحت راية برودي وماسيمو داليما.
ونتساءل هنا : هل شهدنا في مواجهة هذه البربرية الإعلامية والحربية أي صوت مقاوم لها يرتفع , سوى أصوات قلة من المفكرين لا وزن وتأثير لهم ؟ منذ 90 عاماً استعاد الشعب الإيطالي على تصديق كل ما يعرض ويتلوه عليه , شريطة أن تكون تلك الصور وهذه القراءات ممتعة وبسيطة . ولهذه الأسباب سوف يبتلع الإيطاليون رواية الأحداث السورية . أما عن الإجابة على السؤال الثاني ( ماذا يتوجب علينا نحن الشيوعيين عمله لمواجهة هذه الموجة البربرية ؟ ) فالضرورة تحتم علينا تنظيم أنفسنا . وفي حين تبلغ أعدادنا بالآلاف نحن أولئك الذين نقرأ صفحات الويب للكاتب لوزوردو وميسان , فإن الملايين من المشاهدين يرضعون من رواية جنود الجيش السوري يتخذ الأطفال دروعاً بشرية . في الإجمال : لنأخذ بيان الجبهة السورية , من أجل أن يطالب أحد الشيوعيين المقاومين بضرورة تنظيم الحزب , وإلا فإنه وعما قريب , عندما سيطلق الرئيس اوباما حربه على الانترنيت ( الذي سيسمح له بمراقبة والتلاعب بكل ما يحتويه الانترنيت وموجات البث التلفزيونية) فإننا سوف نضطر إلى تمرير كتاباتنا باليد , هذا في حال لم نبتلعها .
بقلم : الكاتب الإيطالي جيانكارلو سكوتوتشي