فرئيسها الدكتور رياض حجاب اشتُهِرَ بميدانيته الواسعة، ليأتي نائبه للشؤون الاقتصادية الدكتور قدري جميل، الذي يأتي اختياره لهذا المنصب بالذات كفشّة خلقٍ له على طبقٍ من ورد، أو لنقل كفرصة حقيقية تتيح له أن يثبت ما كان يذهب إليه بانتقاداته اللاذعة لسياسة سلفه بالمنصب، فضلاً عن أن الدكتور جميل لابد أن يمارس هواه السياسي المعروف بانحيازه نحو الطبقات الفقيرة بحكم أرومته السياسية في الحزب الشيوعي، وهذا أمر كان مثار تفاؤل فعلاً، ومن المفترض فعلاً أن يضع الدكتور قدري بصماته المختلفة التي تلمسها الغالبية العظمى من المواطنين الذين سيلاحقون توجهاته سواء برفع مستوى المعيشة وإيجاد توازن بين الدّخل وتكاليف الحياة، كما أنه من خلال موقعه الآخر في وزارة التجارة الداخلية ما يعني أنه سيتولى إدارة الأسواق بمختلف أبعادها، والمُعتقد أن الدكتور جميل لن يكون متساهلاً مع حالات الغش والتدليس والاحتكار وراهن العديدون أنه سيواجه الواقع بالواقع الميداني وسوف يكون مبادراً لمعالجات سريعة لأزمات عديدة.
أما وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية فسوف تعود إلى عباءتها السابقة وتنتهي من مشكلة انضمام وزارة التموين إليها ( وزارة التجارة الداخلية) حالياً لتكون هذه الوزارة وزارة اقتصادٍ بامتياز، ولاسيما إن عادت المصارف إلى حضانتها،وكذلك قطاع التأمين،ويبدو أن هذه العودة صارت قاب قوسين أو أدنى، حيث جاء في المرسوم التشريعي رقم (46) لعام 2012 القاضي بإحداث وزارتين : وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، في الفقرة ( ب ) من المادة الثانية : ( تتولّى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية المهام التي كانت تتولاها قبل نفاذ المرسوم التشريعي رقم ( 69 ) لعام 2003،كما ألغى المرسوم ( 46 ) الأحكام المخالفة له.
وبالعودة إلى المرسوم ( 69 ) لعام 2003 نجد أنه هو المرسوم الذي تم بموجبه دمج وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية مع وزارة التموين والتجارة الداخلية سابقاً وإحداث وزارة جديدة اسمها وزارة الاقتصاد والتجارة والتي كُلفت بتولي المهام والاختصاصات التي كانت تتولاها كل من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ( عدا قطاع المصارف والتأمين ) ووزارة التموين والتجارة الداخلية، وبعد مرسوم الدمج هذا الذي أقرّ خروج قطاعي المصارف والتأمين من تحت مظلة وزارة الاقتصاد، أصدر السيد رئيس مجلس الوزراء بعدها القرار رقم ( 49 ) تاريخ 16 /10 / 2003 / الذي تم بموجبه نقل جهة ارتباط هذين القطاعين من وزارة الاقتصاد إلى وزارة المالية وتحت إشراف وزير المالية تحديداً، ما يعني أن قرار رئيس الحكومة بهذا الشأن جاء بعد مرسوم الدمج رقم ( 69 ) الذي صدر بتاريخ 9 / 10 / 2003 وهذا يعني أن عودة قطاعي المصارف والتأمين إلى مظلة وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية قد صار أمراً مفروغاً منه على الصعيد القانوني ولعل الترتيبات تبقى بانتظار التعليمات التنفيذية لمرسوم إحداث الوزارتين الجديدتين في غضون ثلاثة أشهر كحدٍّ أقصى، على الرغم من أن دلائل الترتيبات الفعلية ربما تكون قد حصلت فعلياً بشكل مسبق من خلال اختيار الدكتور محمد ظافر محبك وزيراً للاقتصاد والتجارة الخارجية، الذي كان قد تولّى سابقاً منصب مدير فرع حلب لمصرف سورية المركزي، ما يعني أنه سيكون قادراً على رعاية هذه العودة الميمونة للمصارف وللتأمين إلى مظلتها المعهودة وفي المكان المناسب ليتم الإقلاع من جديد بشكل سلس ودون عقبات مربكة، وذلك بعد أن تشرّدا هذين القطاعين لسنوات تحت مظلة وزير المالية ليتفرغ هذا الوزير بدوره لإدارة السياسة المالية وحدها بعيداً عن ذلك الخلط مع السياسة النقدية، ما يوحي بأن المالية سوف تحظى بأداءٍ أفضل لاسيما وأن الدكتور محمد الجليلاتي وزير المالية قد تمرّس على هذا العمل جيداً خلال فترة الوزارة السابقة.
أما وزير الصناعة الدكتور فؤاد شكري كردي فليس غريباً عن الواقع الصناعي بعد أن شغل سابقاً منصب المدير العام لهيئة المواصفات والمقاييس السورية التابعة أساساً لوزارة الصناعة، غير أن نمط هذه الهيئة هو نمطٌ علمي وليس إنتاجي مع أن مصائب هذه الوزارة تتجلّى بوضعها الإنتاجي والتسويقي، ولا ندري إن كان الدكتور كردي سوف يوفّق باستثمار توجّهه العلمي لخدمة الوضعين الإنتاجي والتسويقي، هذا مانرجوه.
ووزير النفط والثروة المعدنية المهندس سـعيد هنيدي يجيء إلى الحكومة من رحم القطاع النفطي فهو يحمل أولاً شهادة ماجستير هندسة في تطوير واستثمار حقول النفط والغاز، وسبق له أن قدّم العديد من البحوث في مجال استخدام تقنيات الإنتاج النفطي المدعم (EOR) بإعادة حقن ثاني أكسيد الكربون بالطبقة، وإعادة هندسة الحقول الناضجة، وتقييم واستخدام الظنيات في متابعة تطوير الحقول الناضبة، واستخدام تقنيات الانتاج النفطي المدعم (EOR) والتطوير المشترك للقبعة الغازية والحاشية النفطية باعادة حقن الغاز(EOR).
كما عمل المهندس هنيدي في الشركة السورية للنفط – مديرية حقول الجبسة، وبشركة الفرات للنفط، وشركة دير الزور للنفط، إلى أن تسلم رئاسة مجلس إدارة شركة الفرات للنفط قبل أن يصير وزيراً، ما يعني أنَّ قيادة قطاع النفط لن تكون عصية عليه.
ويبقى أن نشير إلى المهندس صبحي العبد الله وزير الزراعة والإصلاح الزراعي كواحد من أهم أركان الفريق الاقتصادي في الحكومة الجديدة القادم من إدلب الخضراء والمُعايش لأوضاع الأرض والفلاحين والمزارعين بشكل جيد من خلال مناصب عديدة حزبية وفلاحية أيضاً إضافة للبيئة التي نشأ فيها، فقد اعتبره البعض مؤهلٌ سلفاً لقيادة القطاع الزراعي الذي يعتبر القطاع الاقتصادي الأهم والأضخم في سورية.
هذه المعطيات تثير التفاؤل – وإن بشكلٍ مبدئي – بأننا أمام فريق اقتصادي مقتدر لا ينقصه شيء بأن يسعى لتحسين أوضاع البلد فيما إن أراد ذلك واتّحد في وضع الأهداف الواضحة وعقدوا العزم الصادق لتنفيذ تلك الأهداف، لاسيما وأن رئيس الفريق الدكتور قدري جميل من المفترض أنْ يجدوه متناغماً معهم إن كان أكاديمياً فهو أكاديمي، وإن كان ميدانياً وعملياً فهو كذلك أيضاً وإلى حدود المشاكسة كما نعرفه جميعاً، ولذلك فإن تقييم عمل هذه الحكومة – ولاسيما الفريق الاقتصادي – سيكون مختلفاً على الأرجح عند الناس عن كل الحكومات السابقة، لأنها حكومة تمتلك المعطيات الإيجابية المثيرة للتفاؤل، وتأتي في الزمن الصعب، فهي قبل كل شيء حكومة أزمة.. وتحدياتٍ صعبة، وحكومة مرحلة ليست ككل المراحل.