وتعويم عناصر إرهابية أخرى لزعامته وفق مقتضيات المصلحة الأميركية في المرحلة القادمة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس تصفية البغدادي صنيع الاستخبارات الأميركية لتدفن معه واشنطن أسرار علاقتها الوثيقة التي تربطها مع التنظيم المتطرف، وهذا الإعلان جاء وسط تشكيك روسي بالرواية الأميركية التي قدمها ترامب، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها لا تملك أي معلومات تؤكد مقتل الإرهابي البغدادي، ولا علم لها بأي مساعدة روسية مزعومة للطيران الأميركي في العملية.
ترامب تحدث خلال مؤتمر صحفي أمس عن مقتل البغدادي بعد تفجير سترته الناسفة، وقال إن التعرف على هوية الإرهابي البغدادي تم من خلال نتائج اختبارات أجريت بعد العملية الأميركية الخاصة على حد تعبيره.
وأوضح ترامب أن عددا كبيرا من أنصار الإرهابي البغدادي قتلوا معه في العملية التي تمت في إدلب بعد الحصول على معلومات مسبقة بوجوده في المكان المستهدف.
وبحال صدقت بالفعل رواية ترامب، فإن تصفية أداة إرهابية مثل البغدادي لا تعني تبرئة واشنطن من صناعة التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق والمنطقة بهدف زعزعة استقرارها وتحقيق مكاسب جيوسياسية واقتصادية، إذ إن دور الولايات المتحدة ووكالاتها الاستخباراتية في دعم وتمويل وتدريب الإرهابيين في سورية موثق ومعروف منذ بدء الحرب الإرهابية عليها.
الرواية التي قدمها ترامب لاقت تشكيكا من قبل روسيا على لسان وزارة الدفاع التي أعلنت أمس أنها لا تملك أي معلومات تؤكد مقتل متزعم داعش الإرهابي «أبو بكر البغدادي» ولا علم لها بأي مساعدة روسية مزعومة للطيران الأمريكي في العملية.
المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف قال في بيان عقب إعلان ترامب نقله موقع روسيا اليوم إن زيادة عدد المشاركين المباشرين والدول التي قيل إنها شاركت في هذه العملية المزعومة مع وجود تفاصيل متناقضة على الإطلاق لدى كل منها تثير تساؤلات وشكوكا مبررة حول مدى واقعيتها وخاصة نجاحها.
وأوضح البيان أنه لم يتم رصد أي ضربات جوية من قبل الطيران الأميركي أو ما يسمى «التحالف الدولي» على منطقة خفض التصعيد في إدلب في غضون يوم أمس الأول السبت أو الأيام الأخيرة الماضية كما لا علم لدينا بتقديم أي مساعدة مزعومة لتحليق الطيران الأميركي فوق منطقة خفض التصعيد خلال هذه العملية.
وأشار البيان إلى أن كل الأراضي في منطقة خفض التصعيد بإدلب يسيطر عليها تنظيم جبهة النصرة الإرهابي الذي يمثل ذراعا لتنظيم القاعدة الإرهابي في سورية وقامت «جبهة النصرة» دائما بالقضاء على تنظيم داعش وأي من عناصره مباشرة على الأرض باعتبارهم منافسين أساسيين لها في هذه المنطقة، مبينا أن وجود الإرهابي البغدادي بالمنطقة المذكورة يتطلب تقديم أدلة مباشرة منفصلة من قبل الولايات المتحدة وباقي المشاركين في العملية.
وتابعت الوزارة إنه منذ لحظة الدحر النهائي لتنظيم داعش الإرهابي على يد الجيش العربي السوري بدعم القوات الجوية الفضائية الروسية أوائل العام 2018 لا يوجد على الإطلاق أي تأثير لنبأ مقتل البغدادي على الأوضاع في سورية أو على أعمال الإرهابيين المتبقين في إدلب.
وفي كل الأحوال فإن إعلان ترامب عن تصفية الإرهابي البغدادي مع عدد كبير من أنصاره في عملية عسكرية أميركية في محافظة إدلب يتلاءم مع عمليات سابقة نفذتها الولايات المتحدة في أنحاء مختلفة من العالم للتخلص من متزعمين إرهابيين يأتمرون بأوامرها ويرتكبون الجرائم والفظائع وفقا لإملاءاتها، وإن ما تحاول واشنطن حصده من مكاسب عبر الإعلان عن قتل الإرهابي البغدادي لا يعني أنها تكافح الارهاب بل يعني أن دور البغدادي انتهى بالنسبة لها.
وقد أشارت سائل إعلام أميركية متعددة أكثر من مرة إلى أن تنظيم داعش الإرهابي هو صنيعة أميركية غربية بامتياز، كما أن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة أقرت وفق ما ذكرت وسائل إعلام أميركية في مذكراتها قبل سنوات بأن عددا من الدول الغربية بينها الولايات المتحدة هي المسؤولة عن إنشاء تنظيم داعش وتمويله وتزويده بالأسلحة ودعمه بمختلف الوسائل.
عملية اختراع متزعمين إرهابيين مثل بن لادن والزرقاوي والبغدادي وغيرهم أو ما يوازيهم من تنظيمات إرهابية ظهرت في سورية على مدار السنوات الثماني الماضية وحملت أسماء مختلفة بما فيها «جبهة النصرة» و»حراس الدين» و»أحرار الشام» وغيرها الكثير من التسميات تعد من تخصص وكالات الاستخبارات الأميركية والغربية التي تبتكر وتمول وتدعم مثل هذه التنظيمات لتبرير ما تقوم به واشنطن من حروب وتدخلات عسكرية ضد الدول التي لا تسير في فلكها، وإن تصفية البغدادي في إدلب تؤكد ارتباط التنظيمات الإرهابية مع بعضها رغم اختلاف أسمائها إذ كيف له أن يختبأ في مكان وجود خصمه المفترض الإرهابي أبو محمد الجولاني متزعم تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي ما لم يكن هناك تنسيق وارتباط مباشر بين هذه الأدوات الإرهابية والجهات الداعمة لها وعلى رأسها الولايات المتحدة والنظام التركي الذي أوجد المجموعات الإرهابية في إدلب ويحميها منذ سنوات.
دلائل وأفعال شتى أظهرت تنسيقا كبيرا بين «تحالف واشنطن» وتنظيم «داعش» الإرهابي بلغ حد التدخل الأمريكي المباشر لإنقاذ إرهابيي التنظيم المتطرف وتمكينهم من السيطرة على مناطق جديدة بما في ذلك حادثة اعتداء طيران «التحالف» غير الشرعي على إحدى نقاط الجيش العربي السوري في جبل الثردة بديرالزور في أيلول عام 2016 ونقل الطائرات الاميركية متزعمي التنظيم الإرهابي من المعارك لإنقاذهم من الموت أو تزويدهم بالمعلومات الاستخباراتية.