ولن ينتابني اليأس, سأحاول السفر مجددا إلى تلك المدينة..
سأصلها, لا بد أنني سأصلها بعيد منتصف الليل البهيم..
لأمضي من فوري إلى ذلك الركن !
هذا هو الشارع, وهذا هو البيت المشلوح على الجهات الثماني, وهذا أنا..
وهنا تلعب كل الأزمنة..
سأعبر زمنا منها أهفو إليه كطفل جائع..
أو كعاشق مجنون..
وأثق أنني سأنجح يوما, حين ينام الناس, ولا تسهر معي غير المصابيح المرتعشة فوق الأرصفة..
وأمضي, وحيدا أدق أعناق الطريق الخالي, أتذكر, وأتذكر وأبحر في الذكرى..
أستحضر كل ما كان..
هذا هو البيت لم يتحرك..
وهذا هو الطابق ذاته, وهذا هو الشباك, موصود الآن.
لكنها عما قليل ستشق بعض نصفه, وتطل منه..
فيما أنا أكون وصلت في موعدي..
وصلت هناك, إلى ذلك الزمن البعيد !
في هذي البقعة من الشارع, تحت النافذة, تحت إطلالة وجهها القريب
هذا الزمن الذي يمضي شامتا إلى الأمام, ينجح وهو يستحيل بالمستقبل إلى حاضر, والحاضر إلى ماض..
يمكنه الآن أن يتقهقر أيضا !..
سيعيد إلينا ماضينا إذا كنا نريده بصدق !
وأنا بكل القوة والجنون أريد استرداده..
للمرة الألف أحاول, في الوقت السري الذي عاش بريئا بيننا, من الثانية الأولى بعد منتصف الليل, وحتى قبيل الفجر, أحاول بكل الصدق والإخلاص..
ولن أعترف بفشلي !
يفضح سري, وتكشفني أنوار الصباح الفجة..
نور الزمن, أحادي الاتجاه, لن يفلح في اقناعي قسرا, بأنه الاتجاه الوحيد لمسارات الزمن !
وأنا لم أفشل حقا, بدليل أنني أخرج من كل محاولة جديدة ممتلئا بالحنين, مما يعني أنني أقترب حقا من ذلك الزمن البعيد, الذي مضى !..
اقتربت حد التلامس الذي يغريني بمحاولة جديدة..
ولن اقلع, ولن أكف المحاولة..
فأنا لو كففت يا حلمي, ربما فقدت صوابي..
وجننت..
سأحاول حتى انتصر..
ولن أستسلم للموت الذي اختطفك مفاجأة..
على حين غفلة.. اختطفك مني, وذهب بعيدا..
وتركني في فيء الذكرى.. رضيعا يبحث عن أم !