تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الكتابة الروائية المعاصرة

الملحق الثقافي
27/1/2009
د. علي محمد سليمان

كان عام 2008 عاماً إستثنائياً من حيث الجدل الذي شهده بشأن الكتابة الروائية المعاصرة.

لقد إنشغلت الصحافة الثقافية العالمية بمواضيع روائية تناولها روائيون ونقاد في جدل حفزه إعلان ميلان كونديرا موت الرواية. فيما يلي بعض المقتطفات من تلك المواضيع التي تناولتها الصحافة الثقافية خلال العام الماضي..‏

الحلم الروائي‏

زيدي سميث- روائية بريطانية‏

كيف ننظر إلى واقع الكتابة الروائية المعاصرة؟ هناك حلم يقض مضاجع الروائيين. إنه حلم كتابة الرواية المثالية، التامة و المكتملة. إنه حلم لا يؤدي إلا إلى المعاناة و البؤس. الحلم بهذه الرواية المثالية هو في الحقيقة حلم بالتجلي التام للذات. نحن نحلم كروائيين برواية تعبر بشكل مطلق عن حقيقة و عمق التجربة الإنسانية. إن ذلك التعبير أو التجلي التام أمر مستحيل و لا يمكن إلا أن يكون جزئياً و نسبياً. و السبب في ذلك يعود إلى أن هدف التعبير الجلي عن الذات و الحقيقة أمر في غاية الصعوبة و يتطلب عبقرية من نوع خاص و نادر. و لهذا من الصعب أن نحصي عدداً كبيراً من الروايات العظيمة. و إذا اشتكى الناس كل ثلاثين عاماً من أن هناك عدد قليل من الروايات العظيمة التي نشرت، فإن ذلك يعود إلى أن ما كتب من روايات عظيمة كان قليلاً و نادراً. لقد كان الإبداع الروائي نادراً على مر العصور و سيبقى كذلك. و الحقيقة أنه للتعبير عن حقيقة الوجود و الإحساس يتطلب عبقرية خاصة و إمكانيات جمالية و أخلاقية خارقة و ذلك بسبب واقع العالم المعاصر الذي يضج بوسائط الإعلام، و بسبب الطبيعة المتحولة و المراوغة للغة و بسبب الطبيعة الغامضة و المشرذمة و المخادعة للذات المعاصرة. لكن ليس هناك ما يدعو للغضب و الصراخ. إذا كان صحيحاً أن الروايات من الدرجة الأولى نادرة، فإنه صحيح أيضاً أن ما ندعوه التراث الأدبي هو تاريخ تطور و تراكم أعمال أدبية من الدرجة الثانية. و على كل كاتب أن يكون فخوراً لمجرد مشاركته في ذلك التراث. إن الأدب الذي نحب يتعلق بتلك التعددية في المحاولات و ليس بالتجلي الفوري للإنجاز الكامل.‏

الحداثة ومأزق الواقعية‏

سوزان سونتاغ – روائية بريطانية‏

نحن الآن في مرحلة جديدة من الحداثة يعطيها البعض ذلك الإسم الغامض “ما بعد الحداثة”. لقد أصبح العديد من إنجازات الحداثة في الأدب و الفنون الأخرى يبدو تقليدياً و نمطياً. في أمريكا الشمالية و أوربا نعيش مرحلة ردة فعل. تأخذ ردة الفعل هذه في مجال الفنون و الآداب شكل الرفض العنيف لإنجازات الحداثة المتقدمة التي يعتقد البعض أنها صعبة، معقدة، نخبوية و غير جماهيرية. أما في السياسة فتأخذ ردة الفعل تلك شكل الابتعاد عن كل محاولات تنظيم الحياة العامة من خلال قيم مثالية. و في زمننا المعاصر تبدو الدعوات للعودة إلى الواقعية في الفنون و الأدب متزامنة مع صعود الواقعية الانتهازية في الخطاب السياسي المعاصر. و في هذا الوضع يغدو التمسك بمعايير عالية للنوعية جريمة كبرى في مجال الفنون و الأدب و الثقافة و السياسة و تهمة بالنخبوية.‏

نبوءات ميلان كونديرا‏

وليام دريسيش- ناقد أمريكي‏

يقرأ ميلان كونديرا مشهداً مختلفاً لتحولات الفن الروائي. إنه مشهد جديد فرضه التاريخ الحديث. في هذا المشهد يرى كونديرا أن تاريخ الرواية قد أتم دورة كاملة و عاد إلى النقطة التي بدأ فيها سرفانتس. و هنا تحديداً يتنبأ كونديرا بنهاية ذلك التاريخ، نهاية الفن الأوربي و عصر الإبداع و الشك و الفردية و أيضاً نهاية الوعي بالاستمرارية الإبداعية. إن هذا الإحساس بالموت الثقافي يعكس ما كتب عنه كونديرا في كثير من مقالاته بغضب و حدة ضد الإصطناعية و التزييف و التشابه المخيف في حياتنا المعاصرة.‏

عودة الرواية‏

هرميون لي- روائي بريطاني‏

إن الرواية المعاصرة، و رغم ما يحيط بها من تناقضات نظرية و إشكاليات نقدية تسم واقعها بالغموض و الضبابية، قد استعادت المبادرة في تأكيد مصداقيتها من خلال إستعادة أكثر الموضوعات خطورة و إشكالية بالنسبة للإنسان المعاصر. و يبدو أن الرواية في هذا النزوع تؤكد على أنها قادرة على التمييز بين الجوهري و المزيف و بين الإنساني و المصطنع، و ذلك من خلال إستعادتها لتلك الهموم الإنسانية الأزلية و المتجددة عبر العصور.‏

نجومية الروائي‏

ستيفن إليوت – ناقد كندي‏

إن النرجسية لا تترافق بالضرورة مع الكتابة السيئة أو الجيدة. و لنتذكر في هذا السياق أن تشارلز بيوكوسكي كتب بكثافة و إتقان عن نفسه لأنه، و حسب تعبيره، القارئ لا يعرف شيئاً عن الكاتب، و من هنا يمتلك هذا الكاتب دائماً إمكانية كتابة الذات أو صياغتها في الفضاء الاجتماعي عبر وسائل التسويق و الإعلان التي أصبحت على تنوعها في متناول الكتاب في عصرنا. إن دور القارئ حاسم في المشاركة أو التواطؤ مع الكاتب في عملية التسويق الذاتي و تفعيل البعد النرجسي في شخصيته، و ذلك في إهتمام ذلك القارئ بما هو خارج الأدب من الحياة الشخصية للأديب. و يصبح الأمر أكثر خطورة و تأثيراً في هذه العملية عندما يتعلق الأمر بالناقد أو بالمؤسسة الإعلامية أو الثقافية من خلال التركيز على المواد الغير إبداعية في حياة الأديب.‏

البحث عن المكان المفقود‏

روب تيلي – ناقد أمريكي‏

لم يعد في العالم الحديث إمكانية لتقديم نموذج لأي كينونة كلية. وهكذا فإن السرد لا يمكنه تصوير المكان أو تقديم نموذج جاهز له، بل إن السرد يعطي تلك الإمكانية الوحيدة للقارئ في إعادة رسم المكان وصياغته. والرواية في هذا السياق تجربة في وعي المكان وفي إعادة إنتاجه. فهل تفضي هذه المقاربة إلى الاستنتاج بأن العالم الروائي أو المكان الروائي أصبح أكثر حقيقية ووجوداً من المكان الموضوعي؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية