إن المثقف هو العالم أو المبدع أو الاختصاص الذي يخرج باهتماماته وأعماله الميدانية والنظرية، من حدود عمله المتخصص إلى آفاق المصالح الإنسانيّة المشتركة”، ولقد أكد سارتر على وجه الخصوص أثناء هذه المحاضرة على التعارض الأساسي والمطلق بين المثقف والسلطة وذلك في كل مكان وزمان، على أنّه قد لوحظ في هذه السنوات الأخيرة، أن هذه القضيّة قد برزت في العالم العربي بحدّة ومن جديد في صورة إشكالية تجعل المسافة بين الطرفين تتسع حتى تكاد تصل إلى عدوانية صارخة ومطلقة، لا يمكن التخفيف من حدتها، وذلك بسبب تراكم المسائل والإشكاليات المطروحة. ولعلّ الوصول إلى هذه الحدود من العداوة والكراهيّة إنما هو تعبير عمّا يعانيه واقعنا العربي الراهن من أزمة بنيويّة في مجمل أوضاعه وممارسته السياسيّة والثقافيّة التي تزداد كلّ يوم تخلّفاً وتمزقاً واستبداداً.
ويتّضح هذا التناقض بين السياسي والمثقّف في قضيّة فلسطين والعلاقة بين أغلبيّة الأنظمة العربية مع إسرائيل، التي يرفضها المثقف العربي النزيه جملة وتفصيلا. ذلك أن المثقف له ذاكرة طويلة تجعله يربط اليوم ما يصير في حرب غزة مع ما تلقّى الشعب الفلسطيني من محرقات ومجازر منذ الثلاثينيات إلى يومنا هذا.
ونرى المثقّف ينتفض غضباً ويتلوع عذاباً أمام الغطرسة الإسرائيلية على عكس أغلبيّة الأنظمة العربية التي تحتال وتناور وتستغلّ هذه الكارثة لمصالحها الخاصّة.
إن المثقف العربي يدرك، مثله مثل الرأي العام العربي، أنَ الهزائم والانتكاسات ليست قدراً محتوماً وليست دلالة على عجز شعبه وأمّته. وإنما هي بسبب عجز الأنظمة وأن هذه الشعوب قد سجلت في الماضي القريب انتصارات باهرة وقدمت أعزّ التضحيات. وأن أهمّ أسباب الأزمة الحاضرة (وأصبحت الحرب في غزّة دليلاً رهيباً ورائداً) هي التغييب القسري للجماهير العربيّة عن المشاركة في تقرير مصيرها والإسهام في صياغة حاضرها ومستقبلها.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية في غزّة تبلورت عند المثقف العربي فكرة استعمال سلاح النفط لإرغام إسرائيل والولايات المتحدة على وقف العدوان الفظيع على الشعب الفلسطيني في غزة.
لكن الحاكم العربي همّش هذه الفكرة بسرعة وعتّمها وترك المثقف يتخبّط في غضبه...
وفي عزلته!