ورغم أنَ هذا التعريف جديد وطريف وغريب على مسمع المتابع، فإنني أعتقد أن بوجدرة أصاب في هذا التعريف لبَ الحقيقة، ذلك أنَ الرواية بالفعل تجمع ما نعتقده تافهاً في الواقع، والذي هو عادة عبارة عن أجزاء مبعثرة تشكل عند تراصها جسم الرواية، الأمر الذي يعطيها قيمة موضوعية على اعتبارها تطرح قضايا الواقع المبعثرة باقتدار كاتب مميز يجمع شتات الأفكار ويعيد هندمتها من جديد.
وأذكر في هذا السياق أنني قلت في حوار صحفي أجريَ معي في صحيفة محلية،أنَ الهامشي من الحياة هو ما أبحث عنه في موضوعة الرواية التي أسعى إلى كتابتها، والهامشي هنا هو ما ابتعد عنه الروائيون لسنوات طوال، حيث كانت الفكرة السائدة آنذاك (وربما ما تزال سائدة عند البعض حتى الآن) إن قيمة العمل الروائي تنطلق من قيمة الموضوع الذي يطرحه، ولذلك لجأ كثير من الروائيين إلى عرض قضايا كبرى وخلق أبطال أسطوريين، ما جعل هذه الروايات تحكي عن الاستثناء في الحياة وليس الحياة نفسها، وهو ما يتعارض مع فهم الرواية على اعتبارها فناً يُعنى بجذر الواقع وليس ما يظهر منه على السطح فقط.
وعلى هذا الأساس تشكلت الروايات الناجحة لاسيما في الربع الأخير من القرن العشرين وما تلاه، من مجموع جزئيات (تافهة) من الواقع، بحيث نرى ملامح هذه السمة متجذرة ومتغلغلة في أساسات هذه النصوص والتي كانت فيما سبق من روايات سالفة مجرد تشكيلات وأفكار عابرة في سياقات الأحداث. ولعلنا نرى ذلك بوضوح فيما كتبه بوجدرة نفسه في مجمل أعماله وفي مقدمتها روايته ذائعة الصيت (الحلزون العنيد).
لقد أصاب بوجدرة الحقيقة الروائية التي طالما أرّقتنا..أما الحجرة التي رماها في مياه التعاريف المستوطنة في ذاكرتنا فقد فعلت فعلها باقتدار شديد وأعادت تفعيل رأينا ورؤيتنا فيما كنا نعتقده صواباً لا لبس فيه.