ومنها ما هو بديع، لكن أغلبها يجهد لتلبية وإثارة رغبة القارئ بالعنف والجنس والتشويق والفضائحية، ومنها ما يمعن أكثر في إثارة الغرائز وتلبيتها حتى ليغدو نوعاً من (البورنو).
تلك هي (روايات المؤامرة) كما سمّاها الناقد التركي صالح زكي طومباق في مداخلته (الرواية المؤامراتية في الأدب التركي)، والتي ألقاها في آخر جلسات الدورة الرابعة لمهرجان العجيلي للإبداع الروائي. وكانت مديرية الثقافة في الرقة قد نظمت المهرجان بين الثاني والرابع من كانون الأول بمشاركة عربية واسعة، فضلاً عن المشاركة التركية التي آمل أن تتكرر في مختلف الأنشطة الثقافية، ومثلها آمل أن تكون المشاركة الإيرانية، فنحن بحاجة أكبر فأكبر إلى معرفة ما يبدعه المبدعون ويرسله النقاد في هذه الفضاءات الجارة (الشرقية) مثل حاجتنا إلى نظيرها في الفضاءات الغربية وفي سواها.
أما صالح زكي طومباق فقد ذهب في مداخلته إياها إلى أن أحد أسباب نجاح الرواية بعامة هو تمحورها حول الإنسان، وتنوع أساليبها، وكونها جنساً أدبياً يفسح لأجناس فرعية مستقلة. وبالعودة إلى ذلك الفرع من الروايات الدنيا، أي الرواية المؤامراتية، يحدد طومباق سماتها بأنها رواية سرّ (لغز؟) يكشفه البطل المصاغ من قوى خرافية ليحارب الأعداء المتمثلين بدولة خارجية أو جمعية سرية أو مافيا أو شركة متعددة الجنسية أو تنظيم ماسوني...
وهذا البطل بحاجة لقوى صديقة هي (القوى الزرقاء) أي (عالم الديمقراطية) المتمثل بدولة أجنبية ووسائل إعلام و.... ويضرب طومباق مثالاً لرواية المؤامرة هو رواية (العاصفة المعدنية) التي يُكتشف فيها معدن أسطوري يحل مشاكل البلاد. وفي هذه الرواية تهاجم الولايات المتحدة تركيا بأسلحة ذات تقنية عالية جداً، وتحتلها فتنشأ المقاومة. لكن الإدارة الأميركية تتغير فتحاول الإدارة الجديدة إصلاح الخراب، والعلة بحسب الرواية ليست في الولايات المتحدة، بل في من هم في سدة الحكم فيها.
من موضوعات الرواية المؤامراتية يعدد صالح زكي طومباق الثروات الباطنية، واحتمالات حرب المياه نتيجة ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية... ومن الرواية المؤامراتية ما يتخذ التاريخ إطاراً، والأعداء فيها هم من اليهود أو اليونان أو العرب أو الأرمن... وعن سيل هذا النوع من الرواية يجري إعداد سيل من المسلسلات التلفزيونية التي تضرب أرقاماً قياسية في المشاهدة، وتحاول شرعنة الجريمة، وتغرق في البدائية والعرقية والتفاهة. وقد ألحّ طومباق في الحوار الذي أعقب مداخلته على أن المسلسلات التركية المدبلجة للعربية (نور وأمثاله) لا تمثل المجتمع التركي، لكن ثمة عشرات القنوات التي تبث عشرات المسلسلات من هذا القبيل، كما أضاف بركات قرا المترجم المميز المرافق للوفد التركي إلى مهرجان العجيلي.
بدأ صالح زكي طومباق حياته شاعراً وتحول إلى النقد وقد عرف كمناصر للقضية الفلسطينية، وهو يصدر مجلة الغد، وكاتب سياسي. وقد أعلن في مهرجان العجيلي، بشجاعة ووعي كبيرين، أنه مع رهط من المثقفين يواجهون تاريخهم وأنفسهم وأخطاءهم، كما عبّر عن خشيته على الجيران من عدوى الرواية المؤامراتية، فإلى متى يكفي أن نطمئنه أن روايتنا بخير؟