تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ســوتشي .. قصــة الاســتيعاب لما كان ولما ســوف يكــــون

متابعات سياسية
الاثنين 5-2-2018
د: أحمد الحاج علي

تمتلك الأحداث المفصلية نسبة من القواعد المنهجية التي تحيط بالحدث عبر مقدماته وتتداخل معه في حيثياته العملية والفكرية في لحظة وقوع هذا الحدث ومن ثم تفرض المنهجية استمرارها في البحث والتنقيب وفي التعبير والتحليل على قاعدة الحدث السياسي نفسه ولكن بمنحى متابعة انعكاسات هذا الحدث واحتمالات تأثيره في الزمن القادم القريب والبعيد ولعلنا ونحن نتفاعل مع سوتشي،

وهو المؤتمر أو الاجتماع المهم نجد تطبيقات هذه المقدمة بصورة جلية، ذلك أن المؤتمر الوطني السوري في سوتشي، تلك المدينة الجميلة والسياحية على شاطئ البحر الأسود هو مصدر حيوي لمنظومة من الخصائص والمسارات التي ما تزال تنتج آثارها مع كل يوم ومع كل حركة سواءٌ في الداخل السوري أم على المستوى الإقليمي أم الدولي، وبصورة ثابتة نستطيع أن نستخلص خصائص ثلاث هي في عمق هذا الحدث وهو في عمقها بدرجة أكيدة ومتحركة وذات تأثير مباشر وغير مباشر في كل ما جرى ويجري في وطننا الذي قدم النموذج المؤلم والحي في ذات المعنى عبر مناخ هذا العدوان.‏

1- في المقام المنهجي الأول فإن سوتشي المؤتمر النوعي والتاريخي إنما تكامل بوصفه نتيجة كبرى لمراحل تقدمت على حدوثه زمنياً وهو في ذات اللحظة مقدمة كبرى أيضاً لتفاعلات وتحولات سوف يستغرقها الزمن القادم والمسارات المتوقعة أو الواضحة، إن سوتشي مقدمة ونتيجة في ذات اللحظة وهذا ما أهل هذا المؤتمر ليكون مصدراً ثراً للبحث والاستدلال من جهة وللذهاب نحو ما هو آتٍ على قاعدة الزمن وتطور الأحداث من جهة أخرى، إن ذلك يعني بالضرورة أن الأداء الوطني السوي بكل معالمه ومعانيه وبكل خصائصه وتطبيقاته إنما بنى هذا الأداء تلك المنصة المهمة وأكثر من ذلك، استطاع هذا الأداء أن يبعث في هذا المؤتمر مواد سياسية حيوية للغاية هي التي شكلت عامل الإقناع في ضرورة حدوث هذا المؤتمر وضابط الإيقاع في درجة التحكم في أعمال واتجاهات ومآلات هذا المؤتمر أيضاً، ومن هنا نستطيع القول إن سوتشي حدث في التعبير كما هو في التأثير وكما هو في التغيير، أي أنه تحول إلى كائن حي ينمو ويتطور بلا توقف وبلا حدود.‏

2- في سوتشي اندفعت إلى أبعد مدى مسيرة الصمود الوطني ومناقبية إدارة هذا الصمود ولاسيما في إطار التعبير عن ضرورة العزل بين الحقيقي والمزيف وبين الأجنبي الغازي ومن لديه نسغ الانتماء ولو في حده الأدنى للوطن وللاعتبارات المشتركة التي تحكمنا وعلينا الآن أن نحتكم فيها وإليها، إن هذا المعنى يخرج عن كونه انتماءً عاطفياً لأنه صياغة وصلت إلى حد المعجزة من خلال درجة الألم ومستوى الصمود الوطني السوري ومقدرة العطاء المتجدد والإبداع في سياق المعارك الملتهبة وفي جوف النار التي أرادوها أن تدمر كل شيء، ولقد صبت هذه التضحيات وهذه الإبداعات الوطنية السورية في سوتشي أثناء البحث عنه وفي وقائعه وجلساته وكذلك في امتداداته وتأثيراته التي لن تنضب أبداً لأن المادة في التحليل هنا هي غنية ومقدسة في سياق واحد وبما يؤدي مهمة حيوية منسجمة تفرض حضورها بكل وسائل المواجهة.‏

3- إن الإرادة والآفاق التي تحكمت في إنتاج مؤتمر سوتشي حملت من المعالم ومن الوثائق ومن المناقب الصافية ما جعل أي تهرب من هذا المؤتمر هو في مستوى الخيانة وهو نزوع نحو الانكشاف السلبي الذي سوف يعزل صاحبه، وهذا ما تبين بصورة أكيدة من خلال سلوك الدول والأنظمة التي جهدت للتشويش أو التعطيل أو التأجيل، وكذلك من خلال هذه الخدمات المشينة التي انتظمت سلوك الأطراف سواءٌ في المعارضة الخارجية أم من خلال الأدوار المضافة والقزمة للمجموعات الإرهابية المنتشرة على ضفاف الصراع أو المختبئة في تبعيتها المطلقة لمواقع ترى من الضروري أن يستمر نزف الدم وأن تتحول حالة التدمير والقتل إلى منطق سائد وعميق، لعل ذلك هو الذي يوصل الأطراف الحاقة لتحويل سورية العربية إلى وطن منهك وتحويل النظام السياسي إلى دولة فاشلة والتسلل من خلال ذلك إلى زرع موجات اليأس والسلبية في نفوس أبناء الوطن ولاسيما أن هولاء يعانون من الحرمان ومن الحاجة بعد أن استخدم في العداء لسورية الحصار الاقتصادي واستمرار الثغرات الموبوءة في الداخل السوري نفسه.‏

من هنا تفرض خصائص هذا الحدث حضورها وتأثيرها سواءٌ في تفسير المشوار المؤلم عبر السنوات العجاف وتفرض في ذات الوقت التقاط مقومات ومقدمات التحليل الأساسية والواقعية، لأن سوتشي تميز أساساً بكونه تأطيراً لرغبة أصيلة تم الحصار عليها والآن جاء سوتشي ليفتح المنافذ والممرات للبحث عن الحل وعن الاصطفاف الطبيعي وليس المشوه أو المفتعل في الحياة الوطنية السورية، وتوضح تماماً بأن مؤتمر سوتشي استوعب كل ما قبله وفي ذات الدرجة استوعب كل ما سوف يأتي باعتباراته ولاسيما عبر منصات النشاطات الأخرى مثل الأستنة ومثل جنيف وما تطور فيه من أرقام يبدو أنها لن تتوقف عند رقم حقيقي يعبر عن وعي أبناء الوطن السوري وإرادة الحياة وطاقة الموروث التاريخي في هذا الوطن، ومن هنا جرت المحاولات المشبوهة لإظهار سوتشي وكأنه مجرد نشاط على قاعدة وجهة النظر وأنه لا يمتلك من الاعتبارات والتأثير إلا على قدر ما يخدم جنيف القادم، وهذه معاندة للتاريخ والحقيقة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية