تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ما بعد ســـوتــشي... الســـوريــون والمعـــادلة الجـــديــدة

متابعات سياسية
الاثنين 5-2-2018
د: فايز عز الدين

رغم اشتداد الضجيج الأمروصهيوني، ومقاطعة دولتين من دول مجلس الأمن الدولي انعقد مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي ليؤكد حضور المعادلة الوطنية الأقوى المتمثلة بالدولة الشرعية التي ما زالت المحرك الأهم في كافة العوامل الخارجية التي حاولوا فرضها لكي تقع الدولة السورية

تحت صيغٍ من الوصاية، أو الانتداب مثلما أفصحت عنه مؤخراً ورقة الدول الخمس باعتبارها قد أعيت حيلةً طيلة زمن حربها الإرهابية على بلدنا، ولات ساعة وصول إلى ما حلمت به.‏

نعم رغم تحالف دولي وصل إلى أكثر من /83/ دولة لم تتزعزع الحياة الوطنية للدولة، ولا انكسرت خططها في القيام بواجباتها أمام مواطنيها، أو في الدفاع عن السيادة وقرار الاستقلال؛ وزادت نجاحها نجاحاً في قدرتها على إيجاد تحالف مقاوم دَحَرَ حلف العدوان الإرهابي، وأخرج منظماته من الجحور إلى القبور. والعنصر الثاني في المعادلة الوطنية التي كان شعاعها في سوتشي كاشفاً لكلِّ زيف هو الجيش السوري البطل وحلفاؤه الصادقون الذين دفنوا الغطرسة الفاشية للمعتدين الأصلاء، والأجراء في بيداء سورية وحواضرها، وعاد المواطن الذي تم تهجيره إلى بيته، وحقله، وأشكال كسب عيشه.‏

ثم العنصر الثالث في فضاء سوتشي كان الشعب الذي تعرّف على أحابيل المؤامرة عليه منذ يومها الأول فتصلبت إرادته الوطنية، وقدّم ضريبة الدم بوطنية لم تشهدها بَعْدُ شعوب الأمم الغابرة، والحاضرة ليتحول السوري إلى نموذج للبشر طالبي الحرية، والحياة بكرامة، وكبرياء. وعلى النهج الذي عبر عنه المسؤول الروسي ريابكوف أن الذين حضروا إلى سوتشي هم محبو سورية، والذين أصغوا إلى صوت موجههم لن يعوقوا انعقاد المؤتمر، ووفقاً لما جرى من طبيعة انعقاد المؤتمر المذكور تأكد المجتمع الدولي الذي كان يراقب الحدث الكبير بأن إرادة الشعب ها هي تتمظهر في سوتشي، ومَنْ هو خارجٌ عن هذه الإرادة صار حكماً خارج المعادلة الوطنية. والناتج الأعظم من سوتشي يضع أمام العالم البروز الجديد للمعادلة الجديدة أي: وطني منتمٍ إلى أرضه وشعبه، وحريصٌ على سيادة وطنه، ووحدته الجغرافية، والديموغرافية، وقادمٌ بإرادة الكفاح مع وطنه والدفاع عنه إلى سوتشي؛ وآخر مأمورٌ بالمشاركة في المؤتمر دون ارتباط بقضايا وطنه إلا ما خَدَمَ منها المخطط الأمروصهيوني أعرابي أردوغاني في تدمير سورية، وتقسيم شعبها، وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على حوض المتوسط الشرقي برمّته، ولذا حين أُمرتْ فئةٌ من المسلحين المعتدلين -كما يزعمون- بعدم المشاركة عادت مباشرة بعد وصولها. وبناء عليه تطفو على سطح الحدث السوري بعد سوتشي مجموعة من الأبعاد السياسية أفرزتها المعادلة الوطنية الأقوى (الدولة، والجيش، والشعب) البعد الأول: لم تعد قضية تغيير النظام، والبحث عن الديمقراطية فيه، وتحرّي حقوق الإنسان سوى كذبة مكشوفة الغايات فلا أميركا حريصة على ديمقراطية الشعب في سورية، ولا مَنْ تشغّلهم في إطار الحرب الإرهابية علينا. والبعد الثاني إذا كانت مسألة تغيير النظام خدمةً لشعبه، وغيرةً عليه فما هو مبرر احتلال أرض من بلدنا، والتخطيط لإقامة كانتون كردي عليها؟ ثم ما مبرر الوجود العسكري الأميركي، والقواعد التي أنشأها، ويدرّب فيها الإرهابيين حتى لا تتمكن الدولة السورية من القضاء على الإرهاب، وحلفُ العدوان يملأ الميديا الدولية دَجَلاً بأنه يقاتل الإرهاب على أرض سورية؟ والبعد الأخير على ضوء سوتشي يتبلور في أن الذين ترعاهم أميركا وفرنسا وأردوغان وآل سعود من منصات المعارضة السورية لماذا لا يتم الحرص على أن يظهروا أمام الشعب السوري الذي خرجوا منه بأنهم أصحاب رأي وفكر معارض؟.‏

لماذا لا يخجل حلف العدوان من إظهارهم تابعين، ملحقين ليس لهم قرار وطني بمقدار ما يجب أن يكونوا ممتثلين يؤمرون من أعداء بلدهم وليس لهم قدرة الرفض، ومن يشبُّ عن الطوق، يُستبعد وتقطع عنه رواتبه، نعم إن شعبنا بممثليه في سوتشي، أو في سورية بعد تجربته المرّة في الحرب الإرهابية عليه لم يعد مستعداً للإصغاء لأعدائنا الذين وَعَدَونا بالربيع والثورة والحرية الاجتماعية والسياسية، وعيش الكرامة، ووضعونا بالاحتلال، والخراب، وتدمير مقاومتنا، وقدّموا القدس عاصمة لإسرائيل، وأعلنوا عن موافقتهم على الدولة اليهودية، وعلى منع قيام الدولة الفلسطينية، وعلى أن نسلّم لإسرائيل بحقوقنا المغتصبة، وأن نقوم بتقسيم جغرافيتنا الوطنية إلى دويلات صغيرة يحكمها مَنْ ترضى عنه أميركا وإسرائيل كما هو الحال في ممالك الرمال ومشيخاتها، وهنا يجيء سؤال الشعب في الوطنية المخلصة: كيف تتحدثون عن تحسين النظام والدولة وتقومون باحتلال أرضنا، وتشريدنا؟ سقطت جميع الأقنعة نعم سقطت جميع الأقنعة... والبيان الختامي لمؤتمر سوتشي في بنوده الاثني عشر جعلَ أولها الالتزام بسيادة سورية واستقلالها، ووحدتها أرضاً وشعباً، ورفض في البنود الأخرى كل أشكال التدخل الخارجي بخيارات الشعب، فالشعب يقرر مستقبل بلاده بالوسائل الديمقراطية، وتأليف لجنة لصياغة إصلاح دستوري، وعدم جواز التنازل عن أي جزء من الأراضي السورية، وأن يتم تعميق حالة الوحدة الوطنية، والسلم الاجتماعي، والتنمية مع التمثيل العادل على مستوى الإدارة. وقد جاء نداء المشاركين في المؤتمر من أجل المساهمة في إعمار سورية، وتجاوز تداعيات الحرب الإرهابية على الشعب السوري. وما نقرؤه من بيان المؤتمر يعطينا أكثر من دليل على انتصار إرادة الشعب على المتآمرين عليه بلداً، ودولة، ومستقبلاً، ويرسم أمامنا صورة العمل الوطني القادم بالمعادلة الجديدة التي تبدأ من الالتزام بسيادتنا، واستقلالنا، ووحدة أرضنا، وشعبنا.‏

وإذا كانت بنود البيان الختامي للمؤتمر أصبحت الراشدة الوطنية الأهم لعملنا على الجبهتين: الميدانية لإنهاء الوجود الإرهابي من كل بقعة سورية؛ والسياسية حتى تتوازى إنجازات السياسة الخارجية مع السياسة الداخلية فإن ما يتمناه كل وطني سوري أن تبدأ المؤتمرات الوطنية السورية، في كل بلد من سورية وصولاً إلى المؤتمر الوطني السوري على أرض سورية، لنعزّز فيه النصر على العدوين: الخارجي، والداخلي، ونكسب فيه التمكين المطلوب لوحدتنا الوطنية، ونقدم للمجتمع الدولي صورتنا صورة الشعب الذي أراد الحياة، واستجاب له القدر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية