تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءة.. اللوحة المكتملة تستحضر الماضي لتحاكم الحاضر.. مـــن لـــوّث النســـــيج الاجتماعــــي وشـــــوّه ألوانــــه..؟

ثقافة
الاثنين 5-2-2018
ديب علي حسن

حين سئل نجيب محفوظ عن القاع الاجتماعي الذي يبدو البنية الاساسية في أعماله الروائية كلها، قال: ما قدمته ليس إلا العتبة الأولى منه، بمعنى آخر لم أنقل إلا الجزء الصغير مما رأيته وهو موجود وكائن،

التقط التاريخ الاجتماعي المهمش الذي غدا فيما بعد من لحم ودم على الورق،‏‏‏

‏‏‏

وحبره سيبقى خالدا... أما الروائي وعالم الاجتماع حليم بركات السوري المهاجر وفي حوار مع صحيفة الثورة قال: الرواية تاريخ هي التاريخ الحقيقي للشعوب، ولايمكن لعالم الاجتماع أن يحلل ويقرأ إلا بعد أن يطلع على المنجز الروائي الذي يدون تاريخا من البلد, أو المدينة التي يبحث فيها...‏‏‏

وعلى هذا الاساس هل يمكن القول بكل ثقة واطمئنان ان العمل الروائي، بل مجمل ما تم إنجازه خلال السنوات السبع الماضية من تاريخ الحرب على سورية ويؤرخ سردا فنيا لما جرى ويستشرف رؤى ما...؟‏‏‏

بحدود ما قرأت وتابعت ثمة أعمال صدرت وهي مهمة، وربما استدعت المرحلة منها أن تكون متساهلة بالشكل الفني واللغة، وهي أقرب إلى سرد طويل باهت وبارد، وقليلة تلك الاعمال التي كتبت بريشة الروائي الحق، طابقان في عدرا العمالية، واحدة منها على الرغم مما فيها من ثغرات، لكنها التجربة الاولى لروائي التقط اللحظات ليست الفارقة إنما التي تخصب العمق السوري.‏‏‏

الدكتور هزوان الوز، الكاتب يطل علينا بجديده ومنجزه الروائي الذي جاء تحت عنوان: معرض مؤجل، اللوحة الناقصة، عمل مكتمل الرؤى والأدوات يقارب مرحلة زمنية تتوغل في الماضي لتحاكم الحاضر، وربما هي مفارقة التقطتها الرواية (العالم كله يفكر بما سيكون عليه غدا إلا السوريين في هذه الحرب يحلمون بالعودة إلى ما كانوا عليه).‏‏‏

الرواية التي تؤطر زمانيا من منتصف القرن الماضي إلى اليوم من خلال الراوي وتاريخ الاسرة الوافدة من حمص الى القابون، الحي الشعبي الذي يغدو مع أهليه البطل \ مكانا وزمانا \ أسرة تترك نسيجا طائفيا ما، وتتخذ من مكان آخر ليس نسيجها - حسب الطائفة، وتمضي الحياة بالأب الذي كان ناصريا إلى رحلة الانتساب إلى الحزب الشيوعي، وما بين ثنايا هذه اللوحات التي تمضي كاشفة ونابضة بنضج الحياة، تنهمر الاسقاطات الفكرية والفنية، بل يغدو العمل الروائي على يد الكاتب محاكمة لواقع يفترض أن يكون اللوحات التي تزهو بها الحضارة السورية.‏‏‏

يلامس الوز بكل شفافية ويطرح اسئلة، ربما لو أتيح لها أن تطرح بشكل آخر لبدت فجة، لكنها جاءت باللمسة الجمالية التي تغلف محاكمة فكرية، وكأن الكاتب يريد أن يقول بصوت عال: لماذا نحن نتجمل، لماذا نكذب، ويسأل: كيف لم نر القبح الذي كان يتكون رويدا رويدا..؟‏‏‏

العامل البسيط يحلم، يبني وينسج، ويقدم ويكذب عليه رفاقه في حزبه، يقدم لابنه دروسا في فلسفة الحياة والفن، ويرد ببساطة السهل الممتنع عندما يسأله الابن: لماذا لم نسكن القصاع أو باب توما، يرد بفلسفة التكامل الفكري والحاضر، القدرة على الفعل الحياتي المبدع الذي لايحولك إلى نسخة من رؤوس القرنبيط أو البصل، تغني بالآخر الذي ليس أنت ويغنى بك.‏‏‏

على مدى عشر لوحات يؤرخ الوز لسورية اجتماعيا من خلال حي شعبي، وبعمق يطرح اسئلة لابد من البحث عنها، وربما يمكننا القول: إنه بكل بساطة يحاكم مرحلة طويلة، ليس اتهاما، بل نبش وسؤال: لماذا انكسرت، لماذا انهارت وكيف، أين دعاة الفكر والادب والسياسة وما إلى ذلك؟‏‏‏

هل يعيدنا إلى المنجز الروائي لحنا مينه، وببساطة إلى المياه العائمة لصميم الشريف؟ وهل يقرع بقوة على باب الكتبة ممن ضاعوا روائيا وإبداعيا ويقول لهم: الأدب بلون الحياة ونبضها ونفسها، وقدرة الأدب أي أدب أن يضيء ويشف ويؤرخ ويؤرق ايضا؟؟ هل يفعل ذلك، بل من قال إنه لم يفعل، من خلال المناقشة العميقة لفكرة ودور الفن ورسالته، واسقاط الاب فلسفة رائعة لمعنى لايعرفه الكثيرون عن الفن.‏‏‏

اللوحة الناقصة اكتمال روائي ثر الدلالات والمعاني، يدهشك العمل بالقدرة على التقاط المعاش ليعاد بصيغة الجوهر الادبي الذي لايفارق معنى النضرة، ومن جماليات العمل أن ثمة نصوصا صغيرة تطول وتقصر حسب اللوحة، ابتكر اسلوبها الفني ووظفها لتكون مرآة النص، من عبق الماضي إلى الحاضر.....‏‏‏

(الفن يجب أن يحرر الشعوب ويصنع التاريخ ويطور الانسان، في مجتمعنا من الممكن أن تجد غنيا يحترم الفن من اجل تزيين جدران قصره أو بيته, من أجل أن يتباهى بأنه مثقف أمام اصحابه.....الاغنياء في بلادنا عصابة، واي مشروع ثقافي يشكل خطرا عليهم، وهم بالاصل ليس لهم علاقة بالثقافة، أما الأغنياء حديثو النعمة الذين اصبحوا أغنياء بين ليلة وضحاها من خلال موقف سياسي هؤلاء ليس لديهم أي مشروع وطني جمالي إنساني).‏‏‏

(الفن أن تعرف كيف تعيش في داخل الناس وتهمس في احساسهم ويشعرون بك، الفن أن تغير وتطور المجتمع، أن تكون حرا، ألا تساير الناس على تخلفها ولا على غرائزها ولا على انانيتها).‏‏‏

(الفن الحقيقي ليس مهارة فقط، الفن الحقيقي هو الذي يرتبط بفكر متنور، ويحاول أن يخلق حياة في المجتمع ويغير حياة الناس نحو الأجمل...).‏‏‏

لأني اومن بقول أحد النقاد الروس إن تشريح النص الأدبي كذبح بلبل من أجل بضعة غرامات من لحمه، لذلك فالمتخيل ما بعد قراءة أي عمل إبداعي ومايتركه من أثر هو الأقدر على فتح مسارات الحياة لأنه منها، اللوحة التي تكمل اللوحات العشر وأسماها الكاتب اللوحة الناقصة تفتح جراحا وتنكأ ما هو أكبر من خارطة الجسد، جسد اليوم والغد، جسد لايموت، وصحيح سوى الروم خلفنا روم، لكننا عنقاء تنهض من رمادها من موتها، وهل أساطير الخلق والولادة من عند غيرنا....رواية الجرح السوري بكل جدارة.‏‏‏

d.hasan09@gmail.com ‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية