هناك ايضا عصابات منظمة دربت خصيصاً لفتح خزائن المتحف العراقي الوطني أمام أنظار القوات الغازية التي اقترفت هي ذاتها جرائم سرقة وتخريب وتحطيم للآثار النفسية, حين اتخذوا من اشهر الاوابد الاثرية العراقية معسكرات وثكنات لهم, فهي تشكل عقدة نقص عندهم, إذ لا تاريخ.
سرقة الآثار والمخطوطات ليست وليدة اليوم,بدأت منذ القرن التاسع عشر كما روى لنا الباحث الآثاري العراقي البارز الدكتور (بهنام أبو الصوف) خلال حلقة نقاشية نهاية 2001 ساهمنا في اعدادها حيث قال:
(خلال هذا القرن حولت الدول الاستعمارية الاوربية اهتمامها الى الشرق ووضعت مختلف الخطط والاساليب لنهب ثروات بلدان غربي آسيا المعرفية والأثرية وحتى الفنية بدوافع استعمارية, فراحت ترسل السياح والرحالة وهواة الآثار الاوائل من الاثرياء الاوروبيين والاميركيين الذين تسابقوا على اقتناء القطع الاثرية الثمينة, وحتى بلديات المدن الاوروبية الكبيرة مثل روما وفينيسيا وباريس كانت ترغب بشدة وضع شواهد أثرية عربية.
وأضاف: كان للجمعيات التوراتية المهتمة بتاريخ العهد القديم للتوراة خاصة (سفر التكوين) واسفار الملوك( العهدين الأول والثاني) , لها اهتمامات بالبحث عما يتعلق بهذا الشأن من الآثار والمخطوطات , وكل هذه الاسباب زادت من حركة الرحالة والباحثين عن الكنوز بالتوجه نحو الشرق وبالذات المنطقة العربية, وكانت الحصة الكبرى للعراق لموقعه الثري على طريق الهند المباشر وبسبب ما ذكر في اسفار العهد القديم للتوراة عن مدن العراق المهمة مثل سيدنا ( ابراهيم الخليل ) عليه السلام في أور الكلدانيين و(دانيال) في بابل و(ناحوم ويونا) في نينوى.
السير أوستن ليرد أشهر سارق للآثار العراقية
وأكد ابو الصوف : أن اكثرالاشخاص سرقة لآثار العراق هو السيد البريطاني (أوستن هندي ليرد) , ومنذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حتى الحرب العالمية الاولى, نشط الألمان في نهب آثار بلاد الرافدين فأرسلوا (روبرت كولدي) ممثلا عن الجمعية الآثارية الألمانية, فأخذ من بابل ما أخذ ومن أبرزها (بوابة عشتار) من شارع الموكب وهي موجودة حالياً في المتحف الألماني.. وبعد الحرب العالمية الأولى أرسل المتحف البريطاني بعثة قامت بفتح المقبرة الملكية في أور, وكان ذلك نتيجة ضعف الحكومات في العراق آنذاك إذ كانت تابعة للامبراطورية العثمانية ولا تحكمه حكومة وطنية محلية, ومن ثم شعرت الحكومة العثمانية بقيمة الآثار فأصدرت ( قانون الآثار) وصارت تأخذ حصة مما يعثر عليه المنقبون ,وبذلك أسس (متحف الشرق القديم) في استنبول بقصر اليلدز على حدائق قصر السلطان, وعند قيام الحكم الوطني الضعيف تحت الانتداب البريطاني مطلع القرن العشرين أصبحت (غير ترود بيل) , المديرية العامة للآثار ببغداد وبذلك تم تأسيس نواة (المتحف العراقي) حيث كان القسم الأكبر من الآثار يهرب الى متاحف وأسواق أوربا فيما يوضع بالمتحف القسم الضئيل منها .
ومما يؤسف له ان بعض ضعاف النفوس ممن يحسبون على العرب كان لهم دورفي سرقة الآثار والمخطوطات العراقية .ففي عام 1969 قامت عصابة عربية وبتخطيط اجنبي بسرقة رأس الملك سنطروق الأول من تماثيل (الحضر) في محافظة نينوى شمال غربي العراق وبعد مطاردات من قبل الانتربول في مدن عربية مجاورة للعراق, أعيد التمثال صيف 1970 وقد وثق المخرج العراقي القديم فيصل الياسري هذه الحادثة في فيلم سينمائي بعنوان ( الرأس) عام 1977 ومن ثم سرق التمثال ذاته للمرة الثانية بعد الاحتلال 2003 وتم التعرف عليه مصادفة حيث شوهد يظهر خلف مصممة ديكور لبنانية خلال لقاء تلفزيوني فضائي معها في نيسان 2007 حينها تم ابلاغ السلطات اللبنانية بالأمر ولدى التحقيق مع المصممة تبين انها اشترته من مهرب بمبلغ 750 دولارا فقط على امل اتخاذ اجراءات اعادته الى العراق.
كما سرقت منحوتة ( بيتواته) من كويسنجق شمال العراق عام 1975 تمثل الآلهة (عشتار) على يد لبناني كان يعمل في مطعم شركة نفط كركوك اشتراها منه متحف اللوفر بمبلغ 15 الف دولار كما كان بعض الدبلوماسيين يستغلون حصانتهم الدبلوماسية بتهريب ما خف حمله وغلا ثمنه من الآثار والمخطوطات.
مخطوطات عراقية في البنتاغون
وكان الباحث المتخصص بالمخطوطات أ.أسامة النقشبندي قد كشف عن فقدان عدد كبير من المخطوطات اثناء الغزوات التي تعرضت لها بلاد الرافدين على مر التاريخ.. مؤكدا ان بعض المخطوطات سرقت علناً ومثبت بالوثائق منها ما سرقه ( يهوذا البغدادي) عام 1952 وباعها تهريبا الى مكتبة (برزدنت) الامريكية بمبلغ (75 ألف دولار) وهناك مخطوطات هربت قبل الاحتلال بسنوات تمثل التراث العلمي واشترتها من المهربين مكتبة وزارة الحرب الامريكية (البنتاغون) ولا تزال مخطوطات كثيرة عندهم, اضافة الى مخطوطات (لفائف) يهودية من البردى .
يسرقون الآثار لتدميرها
وكان الدكتور (دوني جورج ) مدير المتحف العراقي الذي غادر العراق عام 2006 إثر تلقيه تهديدات بالقتل, قد ذكر في وقت سابق: إن موقع تل اللحم في محافظة ذي قار هو أقرب مكان للسيطرة على طريقين للخط السريع طريق (بصرة-ناصرية) في الجنوب وجنوبي شرقي العراق, حيث قامت القوات الامريكية الغازية بإنزال على التل خلال حرب 1991 وقاموا بحفر مواضع للآليات وعثروا على كميات من الآثار يصعب معرفة عددها فأخذوها معهم ودمروا جزءاً كبيرا من المتبقي, وفي مدينة (أور) التاريخية التي كان يقطنها سيدنا (ابراهيم الخليل) عليه السلام , قامت قوات الاحتلال بتسيير دباباتها عن عمد وبكل ثقلها في موقع المدينة, وكانت النتيجة تحطيم القطع الاثرية المدفونة في تربتها ولم تكتشف بعد.
واضاف (وجدنا الجدار الجنوبي للمدينة الاثرية وقد تعرض لاطلاق 400 إطلاقة مدفع رشاش خاص بالدبابات تعبيرا عن الحقد الدفين للعرب وتاريخهم).
وحول اقتحام قاعات المتحف العراقي وخزائنه أكد جورج على وجود أدلة وحقائق تثبت نظامية عملية سلب ونهب الآثار من المتحف العراقي في بغداد خلال الايام الاولى للاحتلال عام 2003 نفذتها عصابات مدربة ويدل على ذلك طريقة اقتحامهم للمبنى إذ دخلوا بعد ثقب الجدران والنوافذ واحداث الفجوات فيها رغم احكام الاقفال وعثر على أجهزة الزجاج.
مشيرا الى ان السراق كانوا يعرفون ماذا يريدو ن فهناك نسخ طبق الاصل عن المسلة السوداء لشريعة حمورابي القانونية الموجودة في المتحف البريطاني لم يسرقوها لمعرفتهم بعدم اصليتها موضحا بأن وحدة للدبابات الامريكية كانت على بعد 50 مترا من مبنى المتحف صباح الاربعاء 12 نيسان 2003 وحين طلب العاملون في المتحف من ضباط الوحدة حماية المتحف رفضوا وعبر (جورج) عن انزعاجه الشديد عندما تذكر ذهابه شخصيا الى مقر قوات المارينز ليطلب النجدة ووفقا للقوانين الدولية (وهي حبر على ورق فقط) التي تلزم القوات المحتلة حماية الآثار والممتلكات العامة للدولة التي تعرضت للاحتلال, إلا انهم لم يعيروا رجاءه اهتماما يذكر, ثم ذهب اليهم أحد الموظفين معيدا المناشدة لحماية المتحف كما تحركوا لحماية وزارة النفط فوراً وأبلغوه لاصلاحية او اوامر لديهم للقيام بهذه المهمة.
ومن خلال شبكة المعلومات (الانترنت) علمت ان كتابا بعنوان ( نهب المتحف العراقي ) ساهم فيه عدد من ابرز علماء الآثار في العراق, اورد معلومات عن العثور على 7 آلاف قطعة من أصل 15 ألف قطعة سرقت من متحف بغداد بعد الاحتلال واسترجع 4 آلاف منها من داخل العراق, وعثر على 2000 قطعة في الاردن و 500 في فرنسا و 300 في ايطاليا وسورية250 في سويسرا ,ولم تتم اعادتها فيما يلف الغموض مصير مجموعة الاختام السومرية البالغة نحو 6 آلاف ختم يعود معظمها الى أوائل عصر الكتابة والتدوين.