تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عودة مأساة هيروشيما.. لاتزال قائمة!

عن موقع : Le grand soir
ترجمة
الأثنين 13-8-2012
ترجمة: دلال ابراهيم

لا بد أن يكون يوم إلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية المصادف في السادس من شهر آب يوم تفكير مرير , ليس بسبب الأحداث المؤلمة والمرعبة التي واكبت هذا اليوم من عام 1945 فحسب , وإنما بسبب ما كشفوه لنا من أن الكائنات البشرية في سعيها المتواصل لزيادة قدراتها التدميرية قد عثرت على الوسيلة التي تقربها من هدفها النهائي .

ويكتسب إحياء هذه الذكرى لهذا العام معنى خاصاً , وقد بدأ إحياؤها قبل الذكرى الخمسين لمن وصفها ارثور شليسنجر المؤرخ ومستشار الرئيس الأميركي جون كينيدي بأنها (اللحظة الأكثر خطورة في تاريخ البشرية ) في إشارة له إلى أزمة الصواريخ الكوبية .‏

وكتب غراهام اليسون في العدد الأخير من مجلة فورين أفيرز أن الرئيس كينيدي أعطى الأوامر لعمل شيء يعلم أن من شأنه زيادة مخاطر ليس حرباً إقليمية فحسب , وإنما حرباً نووية , بنسبة 50% حسب اعتقاده . وتقدير اليسون كان واقعياً.‏

وكان كينيدي قد أعلن حالة التأهب النووي على أعلى المستويات , يتيح من خلالها لطائرات الناتو يقودها طيارون أتراك .. أو آخرون بالإقلاع فوق أجواء موسكو وإلقاء القنبلة النووية .‏

ولم تصب الدهشة أحداً من اكتشاف نشر الصواريخ فوق كوبا أكثر من أولئك الأشخاص المكلفين بنشر صواريخ أميركية مماثلة فوق جزيرة اوكيناوا قبل ذلك التاريخ بستة أشهر , في أثناء فترة توتر إقليمي حساسة , وكانت تلك الصواريخ موجهة ضد الصين .‏

في تلك الأثناء قاد الرئيس كينيدي الرئيس السوفييتي نيكيتا خروتشوف إلى ( حافة حرب نووية, وصار ينظر من الأعلى, ولكن لم يمتلك الشجاعة للذهاب إلى أبعد من ذلك ) وفق ما قاله الجنرال ديفيد بورشينال , أحد الضباط الرفيعي المستوى في البنتاغون , المسؤول عن الاستراتيجية . وهنا حري بنا القول أنه يمكننا أن نعول دائماً على أشخاص يمتلكون الحكمة في مثل هذه الظروف .‏

ووافق الرئيس خروتشوف على تسوية صاغها كينيدي من شأنها وضع حد لهذه الأزمة في الحالات القصوى . وكتب اليسون أن الجزء الأكثر جرأة في تلك التسوية هو ( التنازل السري , أي الوعد بسحب الصواريخ الأميركية من تركيا خلال ستة أشهر عقب انتهاء الأزمة ) وكانت تعتبر هذه الصواريخ قديمة وعلى وشك استبدالها بالغواصة بولاريس الأقوى والأكثر فتكاً .‏

باختصار , حتى في ظل وجود تهديد باندلاع حرب نووية لا يمكن تصورها , من الضروري تعزيز مبدأ الحق الأحادي الجانب للولايات المتحدة بنشر صواريخ نووية في أي مكان شاءت , وبعضها يوجه ضد الصين , وأخرى توجه صوب حدود روسيا , والتي لم تكن في السابق قد نصبت صواريخ خارج حدود الاتحاد السوفييتي . ولا شك أنها تعطي جميع أنواع المبررات . وأعتقد من جهتي أن جميعها لا تصمد أمام التحليلات.‏

والمبدأ الأحادي الجانب يقضي بمنع كوبا من امتلاك صواريخ للدفاع عن نفسها ضد الغزو الأميركي الذي كان وشيكاً. حيث كانت تقضي خطط كينيدي وبرامج الإرهاب وعملية مونوغوس بالدفع نحو ( تمرد مفتوح يهدف إلى قلب النظام الشيوعي فيها ) خلال شهر تشرين الأول من عام 1962 , أي في أثناء شهر أزمة الصواريخ , مع العلم أن ( النجاح الحاسم يتطلب تدخلاً عسكرياً حاسماً للولايات المتحدة )‏

وجرى الإشادة على نطاق واسع بأحداث تشرين الأول من عام 1962 بوصفها أفضل ما قام به كينيدي . بينما قدمها اليسون بصفتها ( دليل حول الطريقة التي يتم فيها التعامل مع الصراعات وإدارة العلاقات بين القوى العظمى واتخاذ القرارات الحكيمة في مجال السياسة الخارجية بشكل عام ) وبشكل أخص الصراع مع إيران والصين حالياً .‏

كانت الكارثة عام 1962 وشيكة الوقوع إلى حد خطير , ومذاك الحين استمر هذا الخطر قائماً. ففي عام 1973 , وخلال الأيام الأخيرة من الحرب بين إسرائيل والدول العربية , أعلن هنري كيسنجر التأهب النووي في أقصى درجاته . كما وكانت الهند والباكستان على أهبة الاستعداد لاندلاع حرب نووية بينهما. وكذلك لدينا أعداد لا تحصى من حالات التدخل الإنساني التي تم في اللحظات الأخيرة منها إجهاض هجوم نووي في أعقاب تقارير خاطئة لأنظمة آلية . وبالتالي لا يغيب عنا التفكير بيوم السادس من آب .‏

ويعتبر اليسون كما الكثيرون أن البرنامج النووي الإيراني هو الأزمة الأخطر حالياً « يعتبر الأكثر تحد بالنسبة للمسؤولين السياسيين الأميركيين من أزمة الصواريخ الكوبية « بسبب تهديدات شن ضربة إسرائيلية .‏

وضمن هذا السياق , يمكن القول أن الحرب الآن على قدم وساق ضد إيران مع عمليات اغتيال العلماء والضغوط الاقتصادية عليها التي بلغت درجة ( حرب غير معلنة ) حسب قول المختص بالشؤون الإيرانية غاري سيك .‏

وتعتبر حرب الفضاء الالكترونية ضد إيران مصدر فخر لأولئك الذين يقودونها . ويعتبر البنتاغون تلك الحرب ( عملاً حربياً ) يتيح للذين يتعرضون للهجوم ( الرد عبر قواتهم العسكرية التقليدية ) وفق ما جاء في صحيفة وول ستريت جورنال . إلا في حالة كان المعتدي هي أمريكا أو حلفاءها .‏

وأشار مؤخراً الجنرال غيورا ايلاند , أحد الاستراتيجيين العسكريين الرفيعي المستوى في إسرائيل , والذي يعتبر (واحد من الرجال الأكثر ذكاءً وخلاقاً ( في الجيش الإسرائيلي) إلى التهديد الإيراني . ومن ضمن هذه التهديدات الفعلية التي أشار إليها هي أن ( كل المواجهات عند حدودنا ستحصل في ظل وجود الدرع الصاروخي الإيراني ) ويمكن أن تحول دون لجوء إسرائيل إلى استخدام القوة . ويعتقد ايلاند كما البنتاغون والاستخبارات السرية الأميركية أن مبدأ التهديد الذي تشكله إيران على إسرائيل هو تآكل قدرة الردع لديها .‏

ويزيد التصعيد الحالي في ( الحرب غير المعلنة ) ضد إيران من مخاطر اندلاع حرب بطريق الخطاً بشكل كبير . وأطل برأسه هذا الخطر خلال الشهر المنصرم , عندما قامت سفينة تابعة للبحرية الأميركية , وهي إحدى قطع الأسطول البحري الأميركي المنتشر في الخليج بإطلاق النيران على زورق صيد وقتلت من جرائه هندي وجرحت ثلاثة آخرين على متنه . ولا يحتاج الوضع إلى شيء كبير من أجل اندلاع حرب كبرى‏

وثمة طريقة ذكية تساعد في تفادي هذه العواقب الوخيمة تكمن في مواصلة ( العمل على إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط وكذلك جميع أنواع الصواريخ ومواصلة هدف فرض حظر عالمي على الأسلحة الكيميائية ) وفقاً لأحكام القرار 687 من نيسان عام 1991 الصادر عن مجلس الأمن الدولي , والذي استخدمته الولايات المتحدة وبريطانيا كغطاء شرعي لغزوهم العراق قبل 12 عاماً من الآن .‏

منذ عام 1974 كان الهدف ولا زال هو إيران والدول العربية , ويبدو أنه في الوقت الحالي ثمة إجماع عام إلى حد ما حول هذا الموضوع , على الأقل رسمياً .‏

ومن المقرر عقد مؤتمر دولي للبحث في وضع آلية اتفاق ( حول تجارة الأسلحة التقليدية ) في شهر كانون الأول المقبل . ولكن لا يمكن إحراز أي تقدم في هذا الاتجاه دون الحصول على دعم قوي من جانب الرأي العام الغربي . وفي حال لم يتم انتهاز هذه الفرصة , فإن الظلال المأساوية والسوداوية القاتمة للعالم منذ يوم السادس من آب ستبقى أكثر تهديداً .‏

 بقلم : نعوم تشومسكي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية