تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المخرج بسام حسين .. الرحيـــــل المـــــــر

سينما
الأثنين 13-8-2012
محمد قاسم

جاء خبر غياب المخرج بسام محي الدين حسين مفاجئاً ومراً، فغيابه خسارة حقيقية للسينما السورية خاصة والإنسانية عامة ، كنت أزوره في صومعته الصغيرة في باب توما ،

والتي أجبر على الرحيل عنها بعد سنوات طويلة قضاها فيها ،وربما تسمية صومعة أقرب إلى المفهوم الواقعي لذلك المكان ، فقد كان فيها ناسكاً سينمائياً بكل معنى الكلمة ، فهي لا تحتوي من حطام الدنيا سوى بضعة مقاعد وأريكة ، وشاشة تلفزيونية وكمبيوتر مع مستلزماته من أدوات التواصل الاجتماعي .. كانت صومعته صغيرة بمساحتها كبيرة بساكنيها وزواره من المثقفين والمحبين ، وعشاق الثقافة والسينما .‏

منذ الزيارة الأولى لبسام حسين تكتشف أنك أمام شخص ينحي صفته كمخرج جانبا ، لتتعرف على الإنسان بسام حسين ، الودود اللطيف الكريم ،وقبل أن تتحدث في الموضوع الذي أتيت من أجله ،يجب أن تأكل لقمة معه ليكون بينك وبينه خبز وملح ، والخبز والملح يحمل معنى كبيرا في التراث الشعبي العربي ، وهو ذات المعنى الذي يقصده بسام حسين ، معنى يتجاوز الصداقة إلى الإخلاص والوفاء والحب والإيثار.‏

كانت الحوارات التي أجريتها معه معدودة ، ونشرت في جريدة الثورة ،أحدها عن فيلمه (القناع) عام 2004، والثاني عن فيلم (صدى الحضارات) عام 2005 . وقد كان رأسه مليئاً بالأحلام والأفلام، منها فيلم روائي كتب خطوطه العريضة، ولا أعرف ماذا حل به لأن زياراتي له انقطعت بعد رحيله عن باب توما، ويد الغدر التي نالت منه قتلت تلك المشاريع السينمائية الوطنية التي كان يعد لها ويحلم بتنفيذها.‏

ظل بسام يحلم بسينما وطنية إنسانية وهو يقترب من الستين، لا تثنيه العقبات ولا يأبه للسنين. وهو يعتبر أن إحدى الوظائف الهامة للسينما تتمثل في التعبير عن الواقع وإعطاء فكرة عن قضايا الشعوب من خلال لغة بصرية راقية ومفهومة تصل إلى المتلقي بطريقة سلسة وتنقله إلى عالم جذاب فتؤثر فيه وتحرضه على التفاعل مع تلك القضايا .‏

بداية شهرة بسام حسين كانت بعد انجاز فيلم (القناع) وقد سبقه بفيلم (العرس)، لكن عمله الأهم كان فيلم (صدى الحضارات) الذي قدمه في ثلاثة أجزاء، وهو توثيق سينمائي لحضارة سورية المتمثلة في المواقع الأثرية التي تقف شاهدة على حضارة سورية عبر مختلف الحقب التاريخية . كان بسام يسابق الزمن في محاولة لرصد المواقع الأثرية السورية، وقد عرض لي فيلم يظهر مدى المشقة التي أقحم نفسه فيها ليخرج بنتيجة سينمائية طيبة ، لم يكن هدفه من التصوير في ظروف ومناخات متعددة أن يقحم نفسه ومجموعة الفيلم في مشقة هو في غنى عنها ،بل كان هدفه أن يضفي على الفيلم جماليات طبيعية تعطي للمكان الأثري مشهدية بصرية تزيد الصورة جمالا ،وتشكل عامل جذب للمشاهد نحو ذلك الموقع . وهو يرى في سورية مخزناً للتاريخ يعبق من ترابها أريج الحضارات وعلى ثراها ولدت وتفاعلت أعظم المدنيات . فكان الفيلم كما قال جزءا من واجبه واحتراما لهذا الإرث الإنساني العالمي ،فقام بتسليط الضوء على الكنوز العظيمة وإظهار أهميتها المعرفية والجمالية والحضارية المتجذرة في أعماق تاريخ. والهدف الأوسع لصنع (صدى الحضارات) إيصاله للعالم بشكل سلس وجامع لكل الغنى الحضاري المتجذر في وطن ساحر قدم للبشرية جمعاء أولى أبجديات الحضارة .‏

وكانت لبسام حسين رؤيته الفكرية لما يجري في العالم ،وهو ما قدمه رمزيا في (القناع) وذكر هذه الرؤية في حديث لـلثورة قال فيه : (القناع هو رمز لمجمل عملية استنساخ الإجرام المنظم ضمن صيرورة التاريخ وذلك في سياق فضح الأساليب الهمجية اللا إنسانية لتلك الأقنعة المتكررة خلال أكثر من قرن بأشكال مختلفة ومبرمجة بتوحد فعلها الإجرامي المحضر سلفا خصوصا ضد تلك الشعوب التي لا تملك أي مقومات للدفاع عن نفسها أمام جبروت هذا الطغيان) .‏‏

ويرى في الجوار ذاته أن كل الحروب التي جرت وتجري من صنع شركات صناعة الأسلحة ، وهي لن تتوانى عن خلق الصراعات المستمرة والمتجددة بين الدول سواء بشكل مباشر ام غير مباشر .‏ ويقول : (كل الحروب التي حدثت وتحدث هي مجرد بورصة عالمية لترويج تجارة مختلف صنوف الأسلحة الفتاكة وتحقيق الأرباح الطائلة على الصعيد الاقتصادي .‏ أما على الصعيد الثقافي والفني فإن هذه الشعوب هي مجرد مزارع لتجارب كفاءة وفعالية هذه الأسلحة لذا فالمعادلة اعتبرها نظريا وتطبيقيا في قمة القذارة) .‏‏

تلك كلمات متناثرة عن بسام حسين المخرج والإنسان والمثقف ،وإذا كان القتلة قد أوقفوا حياة بسام وحيويته ،فإنهم لن يتمكنوا من قتل رؤاه الفكرية التي ضمنها في أفلامه ،وسيبقى في الذاكرة والوجدان وسجلات التاريخ ،كما بقي صناع الفن والثقافة .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية