ومهندس التسويات المًذلة وبعد القضاء على نظام ((بن علي)) في تونس الذي لم يكن يخفي علاقاته بإسرائيل, ولم تتوقف وفود الإسرائيليين عن التدفق إلى تونس في المناسبات الاقتصادية والسياسية والعلمية والرياضية والسياحية المختلفة.
بعد كل هذا , ظنَّ البعض بأنَّ قضية فلسطين وحقوق شعبها المسلوبة ستكون هي الرابحة , بل الرابح الأكبر وأنَّ الكيان الإسرائيلي سيكون هو الخاسر في مشروعه الاستيطاني الإصلاحي التوسعي, وهذا الظن كان منطقياً ومعقولاً في بدء انطلاق الحراك في العام الماضي 2011.
وكان التصور أيضاً على التوازي مع الظن السابق, أن كل ما عملته وأنفقته الولايات المتحدة وإداراتها المتعاقبة منذ عهد إدارة الرئيس نيكسون من أجل دعم إسرائيل واستمرار ضمان تفوقها على العرب جميعاً من الناحية العسكرية وبما يضمن لها وضعاً هادئاً ومريحاً في قلب الوطن العربي تفصل مشرقه عن مغربه, ومن أجل الوصول بالوضع العربي إلى ما هو عليه من التردي والانقسامات والمحاور المتناقضة, كان التصور أن كل ذلك انتهى إلى إخفاق كبير, وأن السياسة الأميركية خرجت من معاركها تجر أذيال الخيبة والهزيمة , وكما يقال بخفي حًنين, لا سيما بعد أن تلقى مشروعها لإقامة الشرق الأوسط الكبير ضربة قاصمة في لبنان صيف عام 2006 على يد المقاومة الوطنية اللبنانية ومحور الممانعة.
ولكن ما جرى في الأشهر التي تلت بدء الحراك وحتى الآن, جاء مخيّباً للآمال , لاسيما فيما يتعلق بإسرائيل, ذلك أن هذا البركان العربي الذي انفجر ألقى ببعض حممه على بعض الأنظمة العربية وأدى إلى استبدالها بأنظمةٍ أخرى , إلا أنَّ شيئاً من تلك الحمم لم تصب إسرائيل, وبدا الأمر عندها وكأنّ إسرائيل لا تحتل فلسطين ولم تشن أية حرب على الدول العربية حتى عندما هاجمت قطاع غزة لعدة مرات, وقصفته بالطائرات وغيرها من الأسلحة مؤخراً.
وكان ذلك رداً على ما ادعته بأن اعتداءاتها تأتي رداً على إطلاق الصواريخ عليها, وعندما أوغلت في تنفيذ حركة استيطان واسع النطاق ومجنون كما وصفه بعض المحللين السياسيين, وهددت وتوعدت الفلسطينيين إن هم تصالحوا وأنهوا الانقسامات بينهم تجارياً مع مطالب الشعب الفلسطيني, مقابل كل ذلك لم يحرك أصحاب هذا الحراك والقائمون عليه ساكناً تجاه إسرائيل وأعمالها وكأن إسرائيل في قلب الوطن العربي, وبدورها لم تعبأ إسرائيل بكل ما جرى اللهم إلا سعيها من خلال وسائل إعلامها إلى المزيد من التحريض على سورية لضرب وحدتها الوطنية, وتفكيك نسيجها الاجتماعي وبمعنى آخر صبّ الزيت على فتيل النيران.
والأدهى من ذلك كله أن بعض الأنظمة التي تسلمت الحكم في تونس وليبيا ومصر وبعض من يسمونه أنفسهم بالمعارضة السورية أخذوا يغازلون إسرائيل ويصرحون بأنه لا شيء يمنع من إقامة علاقات معها, وأقدم البعض على إجراء مقابلات مع بعض الصحف الإسرائيلية, وبالتالي غابت قضية فلسطين كقضية شعب طرد من أرضه, وسلبت حقوقه عن ساحات عمل وطروحات هؤلاء إذ لم يتطرقوا إليها فيما أعلنوه من برامج وأطلقوا منه تصريحات من قريب أو بعيد.
واليوم وبعد مضي عام ونيف على انطلاق الاحتجاجات والتغيرات, يلاحظ المراقبون السياسيون داخل الوطن العربي وخارجه أن قضية فلسطين وحقوق شعبها تتراجع إلى الخلف, فلا أحد يتحدث عنها, أو يطالب بها, فالجامعة العربية التي سيطرت عليها دول الخليج بأنواعها, وكثرت اجتماعاتها إلى حدّ مُلفت للنظر لم تتطرق إلى قصف غزة, ولا إلى حصارها, ولا حتى إلى تكثيف إقامة المستوطنات في الضفة الغربية وخاصة في القدس, بل خصصت هذه الجامعة اجتماعاتها لتنفيذ أوامر دولة قطر /المسخ/ بتكثيف الضغوط على سورية ودعم المجموعات الإرهابية المسلحة فيها, وتأكد للصادي والغادي كما يقولون بأنه ليس لهذه الجامعة علاقة بقضية فلسطين , وبات ليس من المستبعد أن تعمل قطر كغيرها باتجاه ضم إسرائيل لهذه الجامعة مستقبلاً, وتغيير اسمها لتصبح الجامعة المتوسطية على سبيل المثال حتى أن التظاهرات التي خرجت وتخرج في تونس ومصر وليبيا وغيرها.لا يتردد في شعاراتها شيء عن فلسطين, علماً بأن قضية فلسطين سكنت وجدان آبائهم وأجدادهم لعشرات السنين, ووصلت الأمور إلى درجة أن الكثير من الحكومات العربية بما فيها الحكومات التي جاءت بعد الحراك لا ترغب في أن يرد اسم فلسطين على لسان أحد مسؤوليها , خوفاً من العتب أو العقاب الدولي الذي لحق بالدول والحكومات التي لم تتخل عن قضية فلسطين ولم تساوم عليها.
نعم, إنَّ معظم الحكومات العربية متفرغة لكل شيء إلا لقضية فلسطين فلا علاقة لها بها, حتى بعض الحكومات الجديدة التي أنجبتها صناديق الاقتراع لم تقل شيئاً حتى الآن عن قضية فلسطين ولا عن إسرائيل وتلجأ إلى أسلوب تصفية الحسابات مع حكومات أخرى.
وهكذا نخلص إلى القول بأن ما يسمى بالربيع العربي لم يحمل معه ما يخيف إسرائيل أو يربكها, بل حمل لها مزيداً من الراحة, إضافة إلى الوضع العربي المتردّي وما يتخلله من انقسامات ومن تآمر بعض الأنظمة العربية على أنظمة أخرى بالتحالف مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
أما إسرائيل وكما أشرنا فيتركونها تعيش بهدوء وطمأنينة مطلقة, ويعملون على استنزاف الجيوش التي تقدم عقيدتها على اعتبار إسرائيل عدواً, بالمقابل تقوم إسرائيل باستثمار هذا الهدوء الذي توفر لها في مجال زيادة استعداداتها العسكرية وفي مجال توسيع الاستيطان وتكثيفه بحيث لا يتبقى شيء من الأراضي الفلسطينية وبالتالي تفرض الأمر الواقع على العرب والفلسطينيين خاصة.