هذا الضيف الجميل الذي أعجبته رفقة الرقيين، وحيوية الوسط المناسب له، لم يقل ذلك القول الحميم خداعاً لربعه الرقيين، ولا لمجرد أن يرد جمالاتهم، إنما لأنه أحبهم، ولظنه أنه سيبقى محقوقاً لهم، ومغموراً بنداهم، ومحبتهم إلى الأبد....!
لم تدم تلك الجمالات، ولا تلك المحبة، خاصة بعد أن رحل عن دنيانا القاص المعروف خليل جاسم الحميدي(رحمه الله) بتاريخ 21/3/2007 عندها تيقن حسن حميد، وهو لم يقل لي هذا صراحة، أن الحميدي كان الجزء الأصيل من ذلك الجو الحميم، وأكذ ذلك غيابه بعد غياب الحميدي الذي كان يبتعد عن النكد والكآبة، متوصياً بآلام الجلجلة التي تتكرر دائماً..!
لم يسحب حسن حميد اعترافه أو وصفه، ولم يفكر أن يفعل ذلك، إنما أكد ما قاله، وتوقف عنده..!
على كل حال، منذ ذاك الحين، ارتاح الناس للوهم الذي يشركهم جميعاً في إحدى المحامد، علماً أن الرقة تملك فكرة طيبة عن نفسها، جاءت من أن جميع، أو جل من أتوا الرقة مثل حسن حميد يرتاحون للندى والمحامد، ويحبون المكان الذي ينأى بنفسه عن النكد والكآبة، ولا ينسون من يأتيهم،فمنذ المجيء الثاني يمنحونه الجنسية، فلا يعود غريباً، بل من أهل البيت حيث يدمن الرقة، وتدمنه الرقة، حتى إنه يستطيع أن يعزم نفسه على أمسية أدبية أو شعرية، أو قصصية..!
يضاف إلى ذلك أن تلك الفكرة الطيبة التي يحملها أهل الرقة عن أنفسهم تشمل أيضاً: الثقة بالعجيلي الذي كان الرائد الذي لا يكذب أهله، حتى إن المبدعين في الرقة كان جلهم من القاصين الذين اكتشفوا، دون علمه، أننا كنا نختبئ تحت معطفه، فيما اكتشف هو الواقعة السحرية قبل ظهورها بربع قرن، ومنذ مجموعته الأولى(بنت الساحرة-1948) ولشدة إبداع العجيلي في القصة كانت محاضراته، جلها إن لم نقل كلها، تتحول إلى قصص ساحرة أيضاً..!
لم يطور حسن حميد، وهو اللماح، تلك المجاملة، ولم يفجر الأفكار التي يختزنها القول الحميم، فقد ظل هو وغيره يزورون الرقة، دون أن يدركوا حاجة الرقة إلى الكتابة عن إبداعها لندرة النقاد فيها، ولقساوتهم على بعضهم بعضاًَ، وذلك ليضعوا مبدعيها في مواطنهم من المشهد الثقافي السوري.
وحتى حين غاب هؤلاء، ولم يعودوا إلى الرقة، لم يتذكر بعضهم، أو يأخذه الحنين إلى الرقة كاتباً عن أدبها وأدبائها الأحياء منهم والأموات، فقد أعطت الرقة ما تستطيع، لكنها لم تأخذ ما تستحقه، أو يليق بها، بل اكتفوا بذلك القول فأصبحت المجاملة قاتلة، والقول الحميم فخاً...!