وبدورهم هؤلاء الأطفال المعنفون ، ينقلون هذا التراث من المعاناة إلى أطفالهم على صورة إفراط في التساهل أو مبالغة في التشدد والقسوة وإيقاع الأذى الجسدي بقصد أو غير قصد (والنية الحسنة لا تبرر العنف )الذي من شأنه أن يؤدي إلى الموت ،وهنا نسأل كم هي حرية الآباء بتربية الأبناء؟وهل للقطاع التربوي دور في تقليص حالات العنف ضد الأطفال ؟
الإهمال ..عنف
د.بسام محمد مدير مركز الطب الشرعي في صحة دمشق ،وفي محاضرة تدريبية لمعلمين حول تشخيص الطفل المضطرب جسدياً ونفسياً ،يؤكد أن العنف ظاهرة موجودة وقديمة قبل الحرب وتمددت خلالها ويجب تقليصها قدر الممكن وتكمن خطورتها بآثارها السلبية التي تتعدى الفرد إلى المجتمع ويشكل الأطفال فيه حوالي النصف ،والمشكلة في بعض الآباء الذين يفهمون العنف الجسدي بأنه ضرب تأديبي ولهم السلطة المطلقة في التربية وأن أطفالهم ممتلكات شخصية .ويصنف د. بسام،الاهمال أحد أنواع سوء المعاملة وقد يكثر بعض الاباء الشكوى من شقوة أطفالهم وفوضى سلوكياتهم دون أن يدروا أن إهمالهم هو السبب ..
وبناء على دراسات ومتابعة إحصائية وحالات راجعت مركز الطب الشرعي يحذر د.بسام من هذه الظاهرة إذا لم نكسر حاجز الصمت بمزيد من الوعي وتشديد العقوبة على الجاني كي لا تستوطن (موت طفلين بفارق عشرين يوماً عام 2011 بسبب العنف )وحالات أخرى من كسر بالعظم وضرب على الرأس وغيرها تستدعي الاستنفار بالطاقة القصوى من الجهات الحكومية والأهلية وكل من يتفهم الرسالة الإنسانية ،من هنا كان للقطاع التربوي دوره في تشخيص حالات العنف الجسدي ويسهل ذلك لأن المعلم يمكن أن يراه بالعين، وهذا العنف يؤسس لكل أنواع العنف الأخرى ومجرد شك المعلم بوجود العنف عليه إخبار مديرية الصحة المدرسية للمتابعة والمراقبة والعلاج لحماية الطفل من تكرار العنف ،ولاشك أن التورم والكدمة وظهور الازرقاق والإصابة بالجروح والكسور تأخذ دلالة كبيرة على العنف .
وهناك ارتباط موجب ضعيف بين تعرض الطفل إلى العنف الجسدي من جهة ومعاناته من بعض المشاكل النفسية من جهة اخرى كمشاعر الخجل والحزن والإحباط ويزداد احتمال معاناة الطفل نفسياً عندما يكون عرضة للاعتداء الجسدي ويبدو تمظهر آثار الإصابة مريباً ومهيناً أمام أقرانه والمحيطين .
التعاون بين وزارة التربية والصحة والطب الشرعي ضرورة يشدد عليها د. بسام لضبط حالات العنف ففي معظم الحالات يفشل القطاع الصحي في تشخيص العنف ويخطئ بناء على روايات كاذبة من مقدمي الرعاية ...والكل مسؤول لتطويق هذه الظاهرة .
العنف المعنوي أكثر انتشاراً
د.يوسف لطيفة ،أستاذ الطب النفسي في كلية الطب، جامعة دمشق ،تحدث عن العنف اللفظي الاصعب في رصده والتعرف عليه ويسود هذا النوع من سوء المعاملة في أوساطنا الأسرية والاجتماعية ولهذا العنف أشكال أكثرها انتشاراً الصراخ والشتم والتجريح والتهديد والوعيد ،والسخرية من الجسد (قصير ،نحيل ، بدين )أو (أنت غبي ، أنت فاشل)ويضع الأطباء النفسيون لهذا النوع من العنف معايير لنسبة تكرار واستمرارية لنطلق عليه اضطهاداً عاطفياً لأنه نمط سلوكي وليس حدث منفرد وغالبا ما يتسبب باضطرابات جسدية ولا يعبر الضحية عن الاضطهاد النفسي بالكلام إنما بأوجاع جسدية وهناك اضطراب ما بعد الصدمة وهوالأكثر خطورة ،
وعن دور المعلم في تشخيص هذا النوع من العنف أكد د.يوسف على أهمية عدم إصراره على الطالب للحديث عن ألمه النفسي عند ملاحظته تغير في سلوكه أو تأخره الدراسي أو إهمال النظافة أو النوم في الصف،والبوح بهذا الوجع يكون عن طريق منح الثقة والأمان للطفل وإظهار الاهتمام والمحبة له لأنه أكثر ما يعانيه الشخص المضطرب نفسيا النبذ الاجتماعي وكل ما حوله يبتعد عنه ويرفض التواصل معه لأنه شخص قلق وغير واثق من نفسه وبالتالي يدخل الطفل الضحية في حلقة مفرغة ويصبح سلوكه عدوانياً .
ويرى د..يوسف أن توجيه عقوبة الفصل لطالب ما ووضعها في لوحة الإعلانات لتربية بقية الطلاب ،أسلوب غير حضاري وغير تربوي وهو إساءة نفسية للطالب .
صندوق شكاوى
أسئلة عديدة واستفسارات وآراء كانت محط حوار الحضور من التربويين والمعنيين في الصحة أكدت على أهمية فتح خط ساخن أو صندوق شكاوى ومقترحات في جميع المدارس للإبلاغ عن قضايا العنف وتفعيل دور الصحة المدرسية ، وهنا أكدت د. هتون الطواشي مديرة الصحة المدرسية في وزارة التربية على خطوات جادة تقوم بها التربية لتعريف الأطفال بحقوقهم الانسانية وضمان فهمهم لها عبر الأنشطة اللا صفية (مسرحيات وأغانٍ ورسوم )ومحاولة مواجهة كم التحديات لحماية الطفل من العنف .