التأكّد من الوصول إليّ...
قبل أن ينفدَ من القلم الأسودِ
هذا الدواء.
وقد لا يعنيني الوصول.
كتبنا كثيراً:
رسائل عبر زجاجات العصور
في بحارٍ متعددةِ الظلماتْ
كتبنا لنبلّغَ أصحابنا:
قلباً يغور، وروحاً تئنُّ.
كتبنا خسائرنا.
وثمةَ ما سوف نكتبه ونرميه.
لكني...
توقفتُ الآنَ
لأفتح بابي.
وصَلَتْ تلك المحبرةُ الآنَ
وأنا... عند منعطفِ السطرِ الأخيرِ!
-2-
أجلس، وحيداً كالعادة،
على كرسيّ أمام الفجر.
كرسيّ من خشب الزيتونْ.
أمامي طاولةٌ من الزنزلخت
وبيدي ريشةٌ من بومتنا
التي عششتْ في زاوية الماضي.
أكتبُ على ورقٍ أصفرَ من دلبتنا العظمى.
أسجل كلَّ خسائر هذا اليومْ.
لا حبَّ على ضفاف النهر.
لا سرير لهذه الرغبات.
القهوة اندلقتْ،
فمَحَتْ كلَّ أحرف الكتابه.
حقلُ أرجوانٍ آسفٍ...
يزخرف هذا الفجر!
-3-
لكي ترسمَ صورةً لشخصٍ سعيد..
ضَعْ أولاً يدكَ على صدره.
ثم قِسِ الأميالَ التي مشاها
حول الكرة الأرضية بحثاً عن حبّ.
ثم...
ارسمْ ما تشاءْ
بأي لونٍ تشاءُ
من الأفراح..
من الأحزان...
من الإهمالِ والشغَفْ
من التذكر والنسيان...
أنت حرٌّ...
افعلْ بالحقيقةِ ما تشاء!
-4-
في الخمسين:
أدركَ الوردةَ...
تعرَّفَ إلى مرتفعاتِ البهاء،
آتيةً إليه، في المنحدرات.
في الخمسين تقبضُ ذروتُه
على صرخة الليل الطويلْ
-5-
في الستين:
أما صخرة عليا...
زرقاءُ عشش فيها النحلُ
يصعدُ نحو اللسعات.
ويقطع بسكين الهواء... شهدَ الأيام.
-6-
في السبعين:
يلثم جدران الضوء
مكسوراً في صباح عميق
على ظلٍّ آمنْ
يقبّلُ ماء النهر.
يرعى قطعان الأشجار
العائدة من غَسَقٍ راقصْ.
وفي ذروة وقتٍ ما...
يتفقد ما لا يعرفُ
من أدواتِ العزلة...
ضاعتْ بين وريقات الأزهار.
-7-
في التسعين:
آيّلٌ يفلّي قرنيه.
جبل يحكّ له ممرُّ التنمّل
في الرئتين.
ووعول ترمح في الضوء
إذْ مالتْ فكرتُه لتنام على قيلولتها
غطاها بحرير صباها.
-8-
مائة...
قرن كاملٌ عدَّ أصابعَهُ
فوق المعزوفاتْ...
وطوى كل علامات الناي.
فرشاة من شعر شائب
وخلطةُ ألوان الدنيا...
كتبتْ فوق جدار الكهف...
الكهفِ الأولِ للإنسانِ الأولْ
«أطْلِقْني» ...يا أللّه!