ونشرت في مجلة الموقف الأدبي التي تصدر عن اتحاد الكتّاب العرب. كانت المسرحية من وحي الخيال، فرسمت شخصية “عابر القارات” الذي أقام مقهى ومطعماً على شاطئ البحر باسم “سفينة نوح”. وأعلن عن الترشيح لتكوين مجلس تشريعي، فما كان من عابر القارات إلا أن تقدم إلى تلك الانتخابات، وهنا ظهرت المشكلة فالرجل بات معيقاً لقائمة المرشحين التي قدّر لها أن تفوز بالتزكية. ابتدأت الإغراءات تقدم لانسحاب عابر القارات، ولم تنفع فابتدأ هدم جزء كبير من المقهى للحرمان من العيش.
وهكذا تم تكوين المسرحية فكتبت ونشرت. وما هي إلا أسابيع حتى كانت لي مقابلة مع أحد الرفاق القدامى الذي بادرني بالقول شاكراً لي على عشاء له مع عائلته في مطعم “سفينة نوح” على شاطئ اللاذقية. سأل “الهاشمي” صاحب المطعم رفيقي إن كنت تعرف كاتباً (الذي هو أنا) فأجاب بنعم، وهكذا اعتبره الهاشمي ضيفاً.
وتكرر المشهد بعد فترة، لأعلم أن “سفينة نوح” استضافت واحداً آخر من الرفاق لمعرفته بي. وهكذا قررت أن أتحقق من فعل صاحب المطعم، فقمت برحلة عائلية مع صديق، وصلنا ذلك المطعم الذي سمي بسفينة نوح، واكتشفنا أنه قائم على الرغم من آثار تهديم له، إلا أن (الهاشمي) ذكر في ترحيبه بنا أنه حافظ على تلك الخرائب للدلالة على ذكرى الانتخابات السابقة، وهو إذا كان لم ينجح فيها إلا أنه دفع ثمن اختراقه لقائمه كانت ستفوز بالتزكية.
وهنا حدثت المفاجأة إذا ما عرف الهاشمي بأني من كتب المسرحية. استقر الرجل على مائدتنا ليشرح لي مطولاً عن دهشته في نقل أسراره التي كشفت عنها المسرحية، وكان منها علاقته بعروس البحر. كان الهاشمي يتعامل معي وكأني قد كشفت المستور عنه. وبات منذ ذلك اللقاء ينظر إلي ككاتب يملك قدرة على التنبؤ والغوص في أسراره لا علم لأحد بها.
وفي زياراته لي في مدينة حلب، فشلت محاولاتي بأن التخييل هو الذي كتب المسرحية، وظل مقتنعاً بقدرتي الروحية على رؤية ما يعجز آخرون عنه.
ولطالما تساءلت في داخلي عن السر الذي يربط بين الكتابة والواقع، إلا أنني لم أجد الجواب بعد.
وإذا ما أعلنت بعد عشرات السنين في هذه الزاوية عن السر، إلا أنني لم أفكر إلا بتوجيه التحية إلى ذلك الرجل النقي الذي كان اسمه (عادل الهاشمي) والذي رحل عن دنيانا، إلا أن (سفينة نوح) ظلت باقية كما قيل لي.