تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مفــــــارقـــة ..!

آراء
الأربعاء 29-7-2009م
علي قاسم

ثمة مفارقة من الصعب أن تتجاهلها، حتى لو حاولت.. إرث يمتد لمئات السنين ، لكن الحامل اللغوي الذي أنتج ذلك الإرث يكاد أن يكون غائبا حتى من الذاكرة البعيدة، والأكثر من ذلك أنه ليس موضعا لإثارة الأسئلة، بل في الغالب يمر عابرا دون أن يترك حتى إشارة استفهام.

كوتاهية مدينة هي الأكبر في ولاية تركية تحمل الاسم ذاته تمتد في عمق هضبة الأناضول وفيها مسقط رأس عثمان غازي مؤسس الدولة العثمانية تحتضن الإرث الإسلامي المملوء حتى آخره بالنتاج العربي والمدعم بالكثير من الشواهد التاريخية ومع ذلك تكاد ألا تلمح فيها الحضور العربي إلا في صيغ عابرة لا تلامس في مضمونها الحد الأدنى مما هو مطلوب.‏

تستطيع أن تلمح حيثما اتجهت الإرث الذي يحمله، الآيات القرآنية بالخط العربي، وأصوات الجوامع وهي تعلن مواقيت الصلاة باكرا عن المعتاد، وإذا ما أردت أن تدقق في تفاصيل عمل فني في معرض أو من خلال لوحة تزين أحد الجدران في بيت أو مكتب لا بد أن تجد الحرف العربي الأكثر حضورا، حرف لا يعرف معناه من كتبه، ولامعنى للكلمات التي تشكلت منه، لكنه يمكن أن يناقس في نوع الخط العربي الذي رسم به لوحته.‏

الأكثر من ذلك أن المسألة تكاد لا تثير أي سؤال، وحتى استغرابك ودهشتك لا تجد هناك من يشاركك بها إلا إذا كانت دهشة واستغرابا أكبر من دهشتك واستغرابك.‏

ما يزيد من مساحة الدهشة أن الباحثين في تفاصيل المفارقة لم يجدوا غضاضة في التعاطي مع المسألة على أنها نتاج مرحلة تراكمت فيها العوامل إلى الحد الذي يصعب فيها التفريق في المنحى الذي آلت إليه، مثلما يصعب الجزم في تحميل المسؤولية وعلى عاتق من تقع.‏

ومع ذلك ثمة مساحة هائلة يمكن لها أن تثمر، بل متاح لها أن تكون الجزء الأكثر فعالية في العلاقة العربية التركية تقوم أولا وآخرا على مسلمات الوجود الثقافي في كلا الاتجاهين، وهو وجود محكوم بعوامل مشتركة لا مجال للجدال فيها، ولا وقت للمماحكة في تبعاتها.‏

التفاعل القائم لا زال يعتمد على الذاكرة الجمعية التي تركت بعض مقتنياتها في الجيل الجديد لدى الأتراك، لكنها على الأغلب تركة غامضة غير مفهومة وفي أحيان كثيرة تبدو مفصولة عما حولها، ولا تستند بالضرورة إلى الإرث الذي تستطيع أن تلحظه أينما تجولت، وحيثما اتجهت، والأكثر من ذلك أن الأسئلة التي قد يثيرها في ذهنك هذا الحضور لا تثير أي فضول لدى ذلك الجيل للبحث عن إجابات شافية لها.‏

المبادرة اليتيمة التي قامت بها الجمعية التركية العربية في إطار أيام كوتاهية، كانت نافذة مهمة ، لكن يدا واحدة لا تصفق، بل تحتاج إلى المزيد من المبادرات على أكثر من صعيد، وألا يكون الحضور العربي على هيئة ضيوف أو مستطلعين، بل المناخ يتيح أن يكون فاعلا وحاضرا.‏

كوتاهية بمدنها وقراها تحتضن ذلك العرفان الجميل بالبحث عن مكامن الضيافة القادرة على ذرع الابتسامة على وجوه ضيوف تتشارك معهم في العادات والتقاليد وأحيانا في الملامح، وما تحتاجه فعلا أن تزرع أواصر علاقة حقيقية تقوم على جوهر الإتقان لما هو قائم على الأرض وحين تتوفر النوايا، وتكون وراءها إرادات جادة ثمة مساحة هائلة من التفاعل تحكمك، بل وقد توفر لك الوسيلة الفعلية لجعل ذلك الإرث الثقافي، وما تبقى في الذاكرة الجمعية موضعا لحوار بناء يمكن له أن يكون مثمرا وبناء. ‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية