تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نافذة... كلام في المهم

آراء
الأربعاء 29-7-2009م
سليم عبود

أغلب أصحاب الشأن، أي أغلب أولئك الذين يتسلمون قضايا الشأن العام، هؤلاء لايحبون الأسئلة المباشرة، وخاصة إذا كانت تلك الأسئلة تحاول الدخول في التفاصيل،

ويكرهون تلك التعليقات وأصحابها التي تشير إلى خطأ أو تقصير هنا أو هناك في مجال مسؤولياتهم، يحبون إيماءات الرؤوس المنحنية والعبارات المغموسة بحلاوة النفاق.‏

سألني صديق: لماذا يحدث كل ذلك؟! قلت: بسبب غياب ثقافة النقد وطغيان العلاقات الشخصية، والأغطية التي يرتاح في فيئها الفاشلون والمقصرون وهم يتثاءبون كسلهم وفشلهم.‏

في الاجتماعات يصرون على أن أجوبتهم شفافة جداً، وتنقل وسائل الإعلام تلك الأجوبة وتضع تحت كلمة (شفافة) خطين عريضين.‏

نحن في زمن المصطلحات.‏

مع قناعتي أن اللغة تتطور دائماً، وتعبر إليها مصطلحات كثيرة، وتتوالد منها مصطلحات كثيرة لأن اللغة - في النهاية - كائن حي متطور، يتوالد كأي كائن حي، ومع ذلك، بعض هذه المصطلحات، وخاصة كلمة (شفافة) غاب منها المعنى الحقيقي، أي المدلول الحرفي والمادي للمصطلح.‏

مرة.. وتحت قبة البرلمان، طلبت تعريفاً دقيقاً لمصطلح (الشفافية) لكثرة ترديده، في زمن الأسئلة المباشرة والأجوبة الدقيقة، والحوارات الجادة، والبحث في التفاصيل عن كل كبيرة وصغيرة لم يكن مصطلح (الشفافية) موجوداً، كان ثمة رأي واضح وصريح يعلن صدق الأجوبة أو عدم صدقها دون خوف أو وجل أو نفاق، قال لي أحد الأصدقاء: أظن أن مصطلح (الشفافية) أصابه الاهتراء من كثرة الاستعمال، ماذا تقترح كبديل عنه؟ قال نعيد إليه نقاءه.‏

في اجتماعات مجالس المحافظات، كالعادة تأتي الأجوبة انتقائية، وملونة بالأبيض لتبدو كأزهار الياسمين، للعلم فقط.. باتت أزهار الياسمين اليوم سوداء بسبب الهباب الأسود الذي تتقاذفه السيارات، الهباب الأسود على كل شيء، فعندما نمرر ورقة محارم على زجاج نوافذنا، تصير سوداء بفعل هذا الهباب، ويل لرئاتنا من هذا الهباب السرطاني، وويل لها من أولئك الذين يدخنون في الأماكن العامة،‏

قال لي صديق: وويل لنا من أصحاب الوجوه العابسة في المؤسسات الحكومية، أخبرته أن الجهات المسؤولة في اليابان تقيم للعاملين في قطاعات الخدمات الخاصة والعامة دورات لإتقان فن الابتسامة، لأن الابتسامة تلعب دور الجسور المفتوحة مع الزبائن، وأن شركة القطاعات في اليابان أيضاً عممت على محطاتها كاميرات لمراقبة ابتسامات العاملين فيها، قال ضاحكاً: (تماماً كما يحدث عندنا).‏

شوارع وأرصفة مدننا الساحلية في أيام الصيف، تزدحم بالغبار والقمامة وأكياس النايلون، وقشور الفواكه والخضار، وتنفلش حاويات القمامة على الأرصفة، وفي موسم الصيف تزداد الحفر في الشوارع والأرصفة والطرقات التي تصل البحر بالجبل، ويكثر القبضايات في مراكز الاصطياف ليس لحماية المصطافين وإنما لتشذيب سلوكهم بحسب رأي هؤلاء القبضايات، وتتضاعف أرقام فواتير أصحاب المحال، ففي رأيهم أن زوارهم لن يكرروا زيارتهم ولذلك هي فرصة لفرض أسعار عالية، ومن المؤسف أنه لا رقيب ولا حسيب، والمسؤول يكرر دائماً: لم تصلنا شكوى.‏

وعندما يأتي مسؤول مركزي لتفقد تلك المدن، تبرز بلاغة المسؤول المحلي: عملنا، ونفذنا، وعالجنا، وتابعنا، وقمنا بزيارات ميدانية، والمسؤول المركزي في الغالب ينهي هذا العرض بالشكر الجزيل والثناء العظيم على عمل هذا المسؤول المحلي.‏

بين الحين والحين يتبدل مسؤول ويأتي آخر، مع مجيء المسؤول الجديد تنمو الآمال الطيبة لدى المواطنين، ولكن سرعان ما يتشابه خطاب المسؤول الجديد مع خطاب المسؤول القديم، لسبب مهم جداً هو أن الحاشية التي كانت في زمن السابق راحت نفسها تحيط بالمسؤول الجديد.‏

بعض ما يجري يذكر بأغنية فيروز التي تقول:‏

(بيروح مختار وبيجي مختار والسيارة مش عم تمشي).‏

في اعتقادي، أن من عشاق هذا الوطن كثيرين جداً، والناس الذين يتمنون العمل الصحيح كثيرون، والذين يقدرون المسؤول العملي والمتحرك ميدانيا للمعالجة السريعة كثيرون.‏

هناك خطط لمشاريع مقرر إقامتها في كل مناحي بلدنا، وهناك مشاريع مقامة (طرق، ومشاف، ومدارس، وجامعات، وسدود، وجسور، ومبان عامة) ما تقدمه الدولة للمواطن السوري كبير ومهم، وللأسف، الفاسدون يعبثون بهذه الإنجازات كالديدان في أشجار التفاح.‏

المواطن الذي يدخل مشفى أو مستوصفاً أو دائرة حكومية لإنجاز معاملة، يعامل معاملة مواطن من خمس نجوم إن كان صاحب حظوة أو يحمل توصية من صاحب حظوة... وإن كان غير ذلك، فعليه أن يصبر ويتحمل، ويتضرع لهذا أو ذاك أو أن يدفع بالتي هي أسهل، المشافي السورية موضع فخر، وكل جامعة موضع فخر، وكذلك كل مدرسة، وكل مشروع ري.. إلخ.. شرط أن يحسن القائمون على تلك الإنجازات تفعيلها، وهنا أؤكد على مصطلح (شفافية) مع وضع خطين عريضين إن سمحتم.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 29/07/2009 01:58

هنا زبدة القول: لايوجد مسؤول نافذ يتقبل الأسئلة المباشرة.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية