تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قبل رحيل خيري عبد ربه... شاعر الطفولة سليمان العيسى يمنح طفل القصيدة وساماً من الشعر

ثقافة
الأربعاء 29-7-2009م
هاني الخير

هذا المقال وهو في طريقه للنشر، تصادف صدوره مع رحيل الزميل الصحفي الشاعر الموهوب خيري عبد ربه مساء 24/7/2009، الذي عملت وإياه في القسم الثقافي «للثورة» لأكثر من عشرين سنة،

بعد أن احترق حتى الرمق الأخير في محراب الكلمة الواعية الشريفة المسؤولة، وهذا مالمسته بنفسي خلال مسيرتنا الصحفية معاً.‏

لقد طويت صفحة أيامه، وإن كانت قصيرة بعدد السنوات،لكنها كانت مزدحمة وغنية بالعطاءات النقدية والشعرية والصحفية، والأدب الموجه للأطفال، سواء عن طريق صفحة «طفولة» في الثورة أم عن طريق إذاعة دمشق.‏

ترجل هذ الفارس العنيد عن صهوة الصحافة، كما ترجل قبله، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الزملاء: سليم خليفة، ومأمون ضويحي، وغازي جريدة، وحيدر علي، ووليم مسوح، وظافر كوجان، وأحمد حيدر، وصلاح الدين الزعبلاوي، وسهيل خليل، وأحمد عجاج، وغيرهم.. احترقوا إلى حد التماهي في أسيد الكلمة الهادفة، ولاتزال عجلات المطبعة تدور وتدور، حتى يتحول الصحفي الذي أسعد ملايين القراء، في نهاية المطاف، إلى مجرد خبر ينشر بحروف سوداء، وكذلك إلى ذكرى مشرقة تحيا في وجدان القراء، تقديراً منهم لحصاد عمره، وماجاد به قلمه المبدع من كتابات.‏

منذ أن دخل إلى حلبة الشعر، وقبل لايزيد على ستين سنة وأكثر، وحتى هذه اللحظة، مايزال الشاعر العربي الكبير سليمان العيسى يشغل ساحة الشعر، ويضفي عليها كل يوم الجديد من روحه الحساسة وأعصابه المتوترة ومشاعره العليا.‏

والذين عرفوا الأستاذ سليمان العيسى، لاشك يعرفون أن هذا الشاعر القومي، هو أحد الأهرامات الأهم في وطن عظيم يرفل بثياب الكبرياء والشموخ اسمه سورية، ويعرفون جيداً أن هذا الأديب المناضل، الذي استطاع أن يكون بجدارة شاعر الطفولة والحكمة والقضايا القومية والوطنية الكبرى.. رجل نقف عند آرائه في الأدب، ومواقفه وأحكامه في الشعر، وانطباعاته عن أعلام القصيدة المعاصرين، حيث يحق له وبجدارة أن يؤكد شهادته ورؤيته، باطمئنان شديد، مايجعلنا على يقين أن خبرته الطويلة المعمقة في الحياة والشعر تسمح له بإطلاق أحكامه الصائبة دائماً، دون أن ننسى حساسية التعامل مع الكلمة الصادقة الملتزمة.‏

وتأتي شهادته اليوم التي صدرت ضمن منشورات وزارة الثقافة السورية تحت عنوان: «الديوان الضاحك موجزاً»، الذي تضمن مختارات لطيفة من أبرز ماكتبه العيسى على مدى نصف قرن، في إطار الشعر الوجداني الفكاهي، أو مايمكن أن نطلق عليه الاخوانيات، تأتي شهادته اليوم لتكون بمثابة وسام من الشعر يضعه الشاعر الكبير على صدر زميلنا الشاعر خيري عبد ربه، الذي قدم بدوره خلال ثلاثة عقود أكثر من عشرين كتاباً للصغار والناشئة والكبار نذكر منها: مطعم الذئب، والقصائد تعقد اجتماعاً عاجلاً، ونبض القصيدة، ومواجهات في الأدب في مجلدين، والكون مقبرتي (شعر)، وميت لا أطيق الكفن (شعر)، ومسلسل قطار الصباح لمصلحة إذاعة دمشق، فضلاً عن لوحة غنائية شعرية حملت اسم (الموقد) نشرت في المجلد الثاني من كتاب (الأناشيد): دليل المعلم في جميع المراحل الدراسية، الصادر ضمن منشورات وزارة التربية السورية.‏

وبالتالي يكون هذا الوسام تقديراً يعتز به شاعر لم يساوم يوماً ولم يهادن الظلم ولم يجامل في قول رأيه بمستوى هذا المبدع أوذاك، بل إنه قلما قدم شهادة كما فعل اليوم، يقول الشاعر العيسى في مطلع قصيدته عن الزميل خيري عبد ربه ص176:‏

طالعت حديثك ياخيري‏

كلماتك زقزقة الطير‏

قلم يتفتح عن طاقة‏

بذكاء يكتب ورشاقة‏

ومزاج حلو.. ولذلك‏

أهديتك «ديواني الضاحك»‏

آراؤك..كانت آرائي‏

إلا في بعض الأشياء‏

الموسيقا نبض يجري‏

في جسد الشعر وفي النثر‏

نبض ياخيري إن فقدا‏

وكتبنا..لم نطرب أحدا‏

لخصت التجربة المرة‏

كثفت الغيمة في قطرة‏

ففي هذه القصيدة التي تزيد على ثلاثين بيتاً من الشعر الرشيق، ينسج الشاعر حالة تناغمية من الحوار الأدبي والوجداني مع صديقه وتلميذه الدؤوب زميلنا عبد ربه، والتي امتدت إلى مايزيد عن ثلاثين سنة من العلاقة الوجدانية والثقافية بينهما، التي تماثل العلاقة التي نشأت بين جمال الغيطاني ونجيب محفوظ، ويتجلى ذلك واضحاً في الكلام الذي يتوج فيه الشاعر قصيدته حين يقول: «إلى صديقي الشاعر الصحفي خيري عبد ربه..» داخلاً في تفاصيل حياتية يضع المتلقي عبرها أمام حالة مواجهة بين الشاعر، أو المبدع، أو الفنان، والحياة..‏

كذلك هو حال الشعر الذي يكثف السنوات الطوال، بكلمة يطلقها خالدة ولايقتلها الزمن ولاتبددها الأيام، ربما تشير محطات وعناوين حياة العيسى التي امتدت منذ ولادته سنة 1921 في قرية النعيرية، ربما جعلته تجربة مجموعته الكاملة «غنوا يا أطفال» وصولاً إلى كتابه «إنني أواصل الأرق» مروراً بالكثير من المواقف الوطنية، كل ذلك جعله يرسخ أهمية البطولات وصور الفداء وكفاح الثوار، وتضحيات الآباء والأجداد، الذين خلدوا بأعمالهم، صورة الوطن الذي نحب ونعشق على امتداد الوطن العربي، حيث يقول في ختام قصيدته مخاطباً «الشاعر الطفل» والصحفي المجتهد خيري ص 178:‏

وسلامي للطفل الشاعر‏

وصديقي الصحفي الشاطر‏

وحنينٌ لم يترك شيا‏

بلغه خليجي العربيا‏

في دارهم.. أهلي العرب‏

أخشى يوماً أن يغتربوا‏

إنها الشهادة التي يقدمها الرواد الكبار لتبقى أوسمة على صدور من اجتهدوا ليكونوا أوفياء للكلمة مخلصين لرسالة الصحافة، مؤمنين بقدرتها على التغيير وكشف الزيف، وإماطة اللثام عن المستور, إنه وسام يستحقه زميلنا خيري بعد كل ماقدمه من أعمال أدبية متنوعة، فالتحية لهما للشاعر العيسى قامة ثقافية جليلة الشأن، هي أهل لتكريمك من تشاء، ولزميلنا خيري الذي استحق صدره وشاحاً من الحب، وهو بمثابة شهادة ناطقة، تبقى ذكرى عطرة طيبة للتاريخ الأدبي والأجيال القادمة.‏

وإذا كانت لي من كلمة أخيرة.. فإنني أشير إلى وصية الراحل خيري عبد ربه المودعة في أرشيفي منذ عام 1988، حيث رغب في أن يكتب على شاهدة قبره هذا المقطع الشعري المنتزع من قصيدة طويلة له وهو يشي بهاجس الموت الحق عنده:‏

الكون أضيق من قميص‏

الشوق فيّ‏

الكون أضيق من يديّ‏

يا أيها الكفن التراب‏

كن حنوناً..‏

كن عليّ‏

تعليقات الزوار

ahmed |  ahmedadrah@hotmail.com | 29/07/2009 09:29

رحمه الله

حازم عبد ربه |  hazem_fox6622@hotmail.com | 03/08/2009 00:10

ستبقى دوما في قلوبنا ..وذكرى خالدة لن تنسى. رحمك الله

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية