تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


اللحظــــة السوريـــــة.. علــــى قاعـــدة الحــــدث

شؤون سياسية
الأربعاء 29-7-2009م
د. أحمد الحاج علي

دمشق كما هي إن كانوا يسألون.. جغرافياً مازالت كما هي، سياسياً مازالت كما هي، وموقفياً اكتسبت درجة قطعية في إدارة الحوار وإرادة الوصول إلى الحق عبر عصر متلاطم فقد ضفافه وانهارت مرافئه

وعبر عالم حاول أن يتلمس مخرجاً من المأزق التاريخي فأضاف متوالية من المآزق وصارت الكرة الأرضية بكاملها هي مساحة الحدث وموطن الرؤى المتناقضة والدوافع المتداخلة، لقد استبقت السؤال بالجواب والفكرة تدور في قلوب وأدمغة الجميع، ما الذي يحدث وعلى الأصح ما الذي حدث حتى صارت دمشق التاريخ والسياسة تستقطب كل هؤلاء الزوار القادمين من وراء البحار والمحملين بالحكايات المؤلمة وإرث التاريخ المضني وأوهام التفوق بالقوة على كل ماعداها؟!‏

من الغرب الأوروبي والأميركي يقصدون دمشق وهم سياسيون بالموقع والمهمة وهم سياسيون بالصيغة والهدف والوسيلة والموضوعات المطروحة على التداول هي جملة بنود وفقرات تتلخص في نقطتين، في الأولى بحث عن السلام، تداخل مع العملية السلمية صعوداً وهبوطاً، اقتراباً وابتعاداً و في حمى هذه النقطة يبقى الثابتان دمشق والسلام ومن أراد أن يفك العلاقة بينهما فلسوف يجهد كثيراً ويعود حسيراً، صار في العالم المعاصر قانون أملته الوقائع وصاغته التجارب يقول لاسلام دون دمشق مثلما لادمشق دون سلام، والثانية من النقطتين هو أن الإرادة الحرة ليست غامضة هي واضحة وضوح الحق نفسه وصلبة صلابة المبدأ ذاته وهكذا فمن أراد أن يحاور أو يتحاور في دمشق سوف يجد نفسه محاطاً بأنساق من القوة والحيوية تكفي لكي يصل الحوار إلى غايته بأبلغ الصور وأقصر الزمن، إن المسألة ليست لوحة أدبية معنوية في أساسها لكن حيثيات ماحدث والسمات التي استقر عليها الحدث نفسه رفعت منسوب الرؤيا لدمشق عند الآخرين من حالة البحث السياسي إلى حالة البحث التاريخي وهذا الامتياز أعني حينما يستقر المعطى السياسي ليتحول إلى ذاكرة وتاريخ لايتحصل عادة إلا إذا كانت الصفات الإنسانية والقومية متحدة تماماً مع العقل الذي يفكر واليد التي توقع على هذا المحضر أو ذاك، لن نتعب نحن كثيراً، وما تعب الآخرون حينما تبدت الرؤية السياسية في دمشق وإذا كان هناك من شرود عن الحق والحقيقة في الغرب فهذا شأنه ولدى دمشق القرار والمبدأ السياسي مايكفي ويتسع لاحتضان عودة كل أولئك، الذين شردوا من الأقوياء، ثم إن هناك غياباً حدث أو على وجه الدقة تغييباً حدث، كانت رؤاهم في الغرب مركونة محاصرة بفعل الجهل التاريخي بالعرب وتحت وطأة التزييف الصهيوني لحقوق العرب وعبر اضطراب غير محمود في الداخل العربي ذاته، يومها كانت قناعات الغرب مسبقة الصنع ومسبقة التاريخ وكان علينا نحن العرب أن نتحول إلى مجرد (أمبلاج) بتاريخ مستجد مزور ليطلع أصحاب الشأن على العالم بقولهم هذا هو الناتج العربي بنسخته الجديدة، وعند هذا المدى كانت دمشق تفرض حضورها والمدى أمامها متشعب، تفرض هذا الحضور في الداخل العربي تمنع عنه الانهيار الرخو والتسليم المجاني وتذكر كل العرب أنه ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي يستهدفنا الغرب فيها، يستعمرنا ينهب ثرواتنا يزيف وعينا ثم يقول عبر ميديا إعلامه: إن كل مايفعله الغرب هو استجابة لرغبات العرب التي استجابت بدورها لتوازنات مزعومة ولانجذابات نحو حالة الأمر الواقع باعتبارها منطلقاً وليست نتيجة لممارسات حاقدة تاريخية أدمنت وأزمنت وهي تنتهك الحرمة والحق العربيين، باستمرار كانت دمشق تستوطن في هذا الأفق مباشرة والأفق أرض طال شوقنا إليها وطالت عذاباتها ومازالت تنز جراحاً ونداءات لايلغيها الظلام ولايقتلها الظلم والمسألة صارت في الاستحقاق مباشرة وهناك من يعمم القول :إن الصحوة والتغيير قد أصابا المنهج السياسي الأميركي والأوروبي بدوافع مصالح هذه القوى وباحتساب حالات النمو والانبعاث والتجربة التي مازالت تقدم المفاجآت، ليكن الأمر على هذا النحو فالصحوة هي مؤشر على قيمتين، قيمة الإحساس بالواقع الضاغط واحتمالات المستقبل وقيمة الميزان الحسابي في أرقام الربح والخسارة مادياً ومعنوياً لكن القيمتين معاً لن تتحولا إلى منسوب مضاف مالم يكن هناك الموقع الضامن والمناخ الحي والتجربة التي استقرت على القرار والخيار، وقد أخذت دمشق السياسية هذا الدور وصاغت منه أنماطاً من السلوك الواضح ووثائق تحكم العمل والتعامل مع الآخرين أينما كان هؤلاء الآخرون، وجرت أحوال واستشرت أهوال على مدى مايقرب من القرن وكان المطلوب هو أن يضيع العرب بذاتهم ثم تضييع معالم هويتهم وبعد ذلك تتآكل حقوقهم مع مرور السنوات العجاف كان الأمر يدخل في محاور وتفاصيل هذه الصورة وكان الفعل ورد الفعل في السياسات الأوروبية والأميركية يعتمد على خصائص التحولات السلبية المكتسبة في الحياة العربية، وقدمت الصهيونية إغراءات محمومة في ذلك، بعضها قائم على تطبيقات القوة الهمجية من خلال التدمير والقتل وبعضها الآخر قائم على تزييف الحقائق وتزوير التاريخ، والبعض الثالث منها قائم على عقد الشراكة والتكافل مابين الغرب الاستعماري والحركة الصهيونية ويبدو حتى هذه اللحظة أن مفاعيل هذه الاتجاهات مازالت هي الناظم والمحرك للسلوك السياسي في مجمل مكونات الكيان الصهيوني وفي غمرة هذا التهور الحضاري والتاريخي حدثت عملية التجاهل، تجاهل الغرب الاستعماري الحق ومنطق الحق العربي ثم تقدموا في التجاهل خطوة أخرى فتوهموا أن دمشق إذا ماحوصرت من الخارج وعزلت من الداخل العربي فإن الأمر سيكون عندها مقضياً، الآن ينقلب السحر على الساحر بل يعود للحدث وأطرافه بعض العقل والتعقل وتصبح دمشق هي الموئل وهي الميزان وهي درجة القياس، ذلك مايشير إليه التحرك الغربي الراهن.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية