فالعطر والورد والزهر تسلل بكل شوق ورغبة وحنان من قلبه المطمئن على وقع خطا وصخب زوار حديقة تشرين، بعنوان سياحة شعبية لخافقة من الأرض تحتضن جمالاً بارعاً من صفات الكون والطبيعة في عاصمة الحياة ..
يليق بدمشق أن تصحو وتغفو على بساط من ألوان الخضرة.. يليق بالسوريين والسوريات ان تتكحل عيونهم بعد ثماني سنوات من آثار حرب ودمار، بدموع تختلف عن دموع القهر والوجع ..لأن عيون الجيش العربي السوري كانت ومازالت وستبقى تلك العين التي لا تنام تزرع أمانا هنا وتحصد سلاما هناك..
في الطريق إلى معرض الزهور برفقة الاهل أو الأصدقاء أو بشكل فردي، تتسع مساحة الرؤية حين تقترب من الموعد المحدد للزيارة ما بين الخامسة والسادسة مساء .. ينتابك وأنت تستعرض بعينيك لون الناس حركتها اندفاعها سعادتها، فالشعور متداخل بكل الاتجاهات كما الفراشة التي يشدها ضوء المكان المفاجئ بعد جولة عبور في قفار رتيبة الشكل والمنظر..
المكان، الزمان، الحدث، الموعد، عناصر متكاملة لمهرجان اجتماعي جمالي لا يشبه غيره من المهرجانات ويحضر في كل المناسبات أفراحها وأتراحها وإن كان الورد من أجمل الهدايا، فكيف هو الحال لمروج من الورد والزهر ينتمي لأعمار ومراحل متكاملة من عمر الدورة الزراعية..
حدث لاشك مختلف في هوية العاصمة دمشق قلب سورية النابض حين يحضر في عامه الثاني بعد انقطاع قسري لثماني سنوات من حرب لا خير فيها ولا بركة إلا المزيد من الخراب والدمار.
في جولة تأمل يكفي أن تراقب مسارات الحركة لأناس من مختلف الأعمار تدركها جيدا بكل أبعادها حين تستعرض وجوه الجالسين والواقفين كستار خلفي لمحيط المسرح في الهواء الطلق الذي يغص برواد تشي وجوههم بمدى توقها لخصوصية إعلان الفرح والسرور بألون الطيف السوري، حيث اللافت وقار أولئك الكبار الذين تجاوروا مع صغارهم على مقاعد اسمنتية، لتبدو الصورة أكثر من لوحة فنية ..مسرحيات وأغاني راقصة تعكس قيمة ومستوى الأصالة والبساطة في توصيل رسالة الانتماء وعشق الحياة إلى جيل المستقبل ..
في معرض الزهور يمكن للمرء أن يتذوق كل شيء فالعيون ترصد معظم التفاصيل بما يبهج النفس وتشتهي الروح .. فالعطر يثير الشهية بروائح مختلفة من كل التراب السوري.. رائحة الطعام في شارع المأكولات يؤكد عراقة المطبخ السوري ونكهته المميزة.. سيدة في الثمانين من عمرها احتفل أبناؤها وأحفادها بعيد ميلادها في مساحة من زوايا البساط الأخضر. هذه السيدة العاشقة للفن بكل تجلياته شكرت نعمة الخالق أنها على قيد الحياة لترى دمشق البهية بهذه الصورة من الروعة والصخب الايجابي المليء بأوردة الحياة.
وعلى وقع الأغاني والموسيقا وخطوات المارة المتثاقلة منها والرشيقة تحتفي مدينة دمشق بأنسها وتراثها الجمالي.. تتجول داخل نسيج من هواء الجنة بعد سنوات من غياب عطر الأماسي الدمشقية حيث عاد الياسمين الأبيض مبتهحا يختال بحسنه من شغاف مائه الأبيض، فيما الحبق والجوري والكاردينيا وزهر اللوتس والنيلوفر يغازل من ضفته مساكب ومشاتل منسقة بعناية من نباتات وأعشاب عطرية وطبية اذا ما تم استثمارها بالشكل الأمثل نكون قد قطعنا شوطا في تلبية احتياجات وطن مما هو متوفر من مواد أولية وبذور وغراس تفعل فعلها الاقتصادي والاجتماعي في لوائح الحاجة والضرورة.
ضمن مساحة المعرض لكل شبر حكايته .. فالهوايات متعددة ما بين جالس على العشب وآخر على مقعد خشبي وذاك يمشي غير آبه للتعب.. أن تزور معرض الزهور فأنت تعلن أن الحياة لا تقهرها صعاب طالما كنت قادرا كشعب ووطن أن تتنفس كل هذا الكبرياء وفي أقسى لحظات الضيق .. طريقك مروج من الذهب الملون بأشكال الخضرة العابرة لراحة النفس.